المخدة والقطرميز خزنة دولارت السوريين… ماذا لو وضعوها في البنك؟

بنوك العالم تبحث عن دولارت السوريين المكتنزة؟
سناك سوري – بلال سليطين
تبحث بنوك العالم عن قرابة 900 مليار دولار أميركي تمت طباعتها وخرجت من البنوك والسوق الأميريكية لكنها فُقِدَت، ولم يتم وضعها أو حفظها أو إيداعها في أي بنك (يخضع للمعايير العالمية) بما في ذلك بنوك سويسرا.
وتفاصيل القصة تقول إن حجم الأوراق النقدية لدى الولايات المتحدة الأميركية يقدر بـ 1700 مليار دولار، وقد خرج من هذه الأوراق قرابة 900 مليار دولار (حوالي 60%) من السوق الأميركي، وأصبح مصيرها مجهولاً فالأنظمة المصرفية العالمية لم تسجل دخولها، والمشكلة تنسحب على مصارف سويسرية وأسترالية ونيوزلندية… إلخ.
أقرأ هذا الخبر الذي نشرته وول ستريت جورنال قبل أيام وأفكر كم من هذه الأموال ذهب إلى منطقتنا؟ وكم منها أيضاً موجود في سوريا أو مع السورييين؟.
من الصعب الإجابة وتحديد الرقم، لكنه بلا أدنى شك رقم كبير جداً، فلنكن صادقين مع أنفسنا فإن مئات آلاف العائلات السورية حولت وتحول أموالها إلى دولار، هناك عائلات حولت مبالغ بسيطة جداً من الليرة السورية إلى دولار وتدخر مادون 500 دولار، وهناك من حوَّل مبالغ أكبر من الليرة السورية إلى دولار ويدخرون بين 1000 و10 آلاف دولار، ناهيكم عن الذين أصبحت مدخرات السورية بالدولار وهي بعشرات ومئات وأحياناً بملاييين الدولارت.
اقرأ أيضاً: تعثر اللجنة الدستورية أكبر من خلاف على أجندة اجتماع- بلال سليطين
الذين يحفظون مدخراتهم بالدولار كخيار ينقسموا إلى قسمين رئيسيين واضحين، قسم وضعها في المصارف اللبنانية أو بعض مصارف المنطقة وهؤلاء نسبتهم قليلة نظراً لأن المصارف وضعت قيوداً على فتح الحسابات للسوريين خوفاً من العقوبات الأميركية والأمر ينسحب على المصارف في دول أخرى غير لبنان، ونسبة هؤلاء المودعين في البنوك اللبنانية وغير اللبنانية قليلة لكن ربما تكون أموالهم كبيرة خصوصاً وأن معظمهم تجار، وهنا نتحدث فقط عن المودعين الذين مازالوا يعيشون أو ينشطون تجارياً في سوريا.
إلا أن الكتلة الثانية المبعثرة هي الكتلة الأكبر فإن كانت مبالغها قليلة بالمفرد لكنها كبيرة بالمجموع (وربما تصل إلى ملايين أو مليارات لايوجد إحصائيات ذات دقة عالية لها)، وهؤلاء يدخرون دولاراتهم بمنازلهم، ويمكن القول ينامون عليها حتى يرتاح بالهم، فبقاؤها في المنزل أو في مكان آخر لا تصله الحكومة أكثر طمأنينة بالنسبة لهم، حتى ولو كان هذا المكان معرضاً للسرقة من قبل اللصوص مثلاً، أو حتى من قبل أحد أفراد العائلة أنفسهم.
اقرأ أيضاً: لماذا فرع جرائم المعلومات وليس جرائم المسؤولين؟
خلال مرحلة من الأزمة السورية قبل قرابة 4 سنوات دعت الحكومة المواطنين لتصريف دولاراتهم في بنك حكومي وكان سعره حينها أعلى من السوق السوداء وفي ذلك الوقت أقبل بعض المواطنين على التصريف في بنوك الحكومة، بينما اختار البعض الآخر وهم كثر الاستمرار بالتصريف في السوق السوداء بسعر أقل حفاظاً على أمانهم، وخوفا ًمن سؤال “من وين جبت الدولار” ويروي أحد الزملاء الصحفيين الذين كانوا يعملون مع صحيفة لبنانية في ذلك الوقت أنه قام بتصريف إيرادته من عمله الصحفي والتي تأتيه بالدولار في بنك حكومي 3 مرات إلا أنه آخر مرة تعرض لبعض الأسئلة من الموظف، يقول الصحفي ربما تكون أسئلة من باب الفضول ومفادها “من وين بتجيب الدولار؟” إلا أنه خاف بعد تلك المرة وتوقف عن التصريف في البنك واختار العودة للسوق السوداء.
أزمة الثقة بدأت تنسحب على بنوك لبنان المجاور، وقبل فترة التقيت بسيدة سورية متزوجة من رجل قطري وقد حصلت على طلاقها قبل عامين ونالت مبلغاً كبيراً جداً منه أودعته في بنك لبناني، وهي اليوم ليست قادرة على سحب أكثر من 1000 دولار من رصيدها أسبوعياً رغم أن هذا الرقم لايعادل أكثر من 0،01 من المبلغ الذي تودعه بالبنك.
اقرأ أيضاً: الخبير الاقتصادي “بشار قريطم”: أحداث العراق ولبنان ساهمت بارتفاع سعر الدولار في سوريا
تقول السيدة إنها نادمة على وضعه في البنك ولو أن الزمن يعود بها للوراء لكانت وزعته على وسادات المنزل وخزنة الملابس ووضعت خزنة سرية بالحائط، ولن تودعه في البنك.
إنها بلا أدنى شك لن تجرؤ على ادخار كل هذا المبلغ في منزلها لكن هذه عينة عن حالة عدم الثقة بالمصارف اللبنانية حالياً بالنسبة للمودعين السوريين.
إلا أن هذه السيدة أيضاً لم تودعه في بنوك سوريا لعدم الثقة، واختارت بنوك لبنان وفي نهاية المطاف حتى بنوك لبنان لم يكن هناك ثقة بها وعند أول هزة تم إجراء تقييد على السحوبات وتخفيضها إلى مستويات دنيا وفي بعض البنوك وصلت إلى 200 دولار أسبوعياً وبعضها توقف عن التسحيب بالدولار وأصبح يقبض العملاء بالليرة اللبنانية.
إن أزمة لبنان ستجعل السوريين بلا أدنى شك يفكرون ألف مرة قبل أن يضعوا دولارتهم في بنوك لبنان، ومن كان منهم يستطيع فإنه سيعمل على سحبها، ولكن أين سيذهبون بها إذا سحبوها من البنوك أو توقفوا عن إيداعها، وهنا نتحدث عن المودعين الصغار الذين يملكون بين 2000 و50 ألف دولار وليس عن التجار أو الذين لديها حسابات جارية وتحويلات بنكية فهم دائماً بحاجة مصارف غير سورية بسبب العقوبات.
اقرأ أيضاً: أخبار البلاد .. البونات عادت.. والدولار إلى الجحيم ..
في الوقت الذي يخزن فيه الدولار في الوسادات وتحت السرير والمطبخ والطناجر والسقيفة وقطرميز العدس..إلخ (من منكم لايخزن بضع دولارت؟ إذا انت ماخزنت غيرك مخزن)، فإن البنوك السورية تكاد تصفر لفراغ الدولارت منها، وهي بأمس الحاجة للحد من الطلب على الدولار في البلاد ولأن يضع السوريون أموالهم في البنوك، لكن ماذا فعلت الحكومة السورية من أجل دفع السوريين للقيام بهذه الخطوة، أيا كانت المبالغ التي لديهم ألا يمكنها أن تساهم ولو بشيء بسيط في تغيير معادلة الطلب على الدولار، فإذا كانت لا تستطيع الحد من الطلب على الدولار في السوق بسبب ثقة المواطن به كعملة آمنة للادخار بها، فما الذي فعلته لتجعل من يشترون الدولار لادخاره يضعونه في البنوك السورية؟.
إن أزمة الدولار في سوريا بجزء كبير منها مثلها مثل باقي الأزمات، تعاني من سوء إدارة، وهناك وسائل عدة يمكنها أن تغير الواقع، والأمر يتطلب شجاعة تغيير العقلية والتوقف عن التفكير فقط بضبط سعر الصرف والانتقال لاستثمار كل دولار متاح، بدءاً من فكرة التضييق على المجتمع المدني وتشجيعه على استقطاب الموارد والمشاريع والمبادرات ونقل نشاطاته التي يصرف عليه ملايين الدولارت في الخارج وجعلها تقام بالداخل وبنفس السوية، وصولاً إلى فتح الأبواب وتوفير الثقة والحافز أمام مكتنزي “دولارت الأمان” لوضعها في البنوك مع ضمان أمانها وسحبها متى شاؤوا بالعملة ذاتها التي أودعوها بها.
اقرأ أيضاً: بالتزامن مع انخفاض قيمة الليرة.. مسؤول أميركي الضغط الاقتصادي على دمشق مستمر