المحروق من “نصيب” بِنَفِّخ عـ”البوكمال”
افتتاح معبر “البوكمال” هل يمكن أن يحسَّن الواقع المعيشي للسوريين!!
سناك سوري – بلال سليطن
مضى قرابة عام على افتتاح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، هذا المعبر الذي ترافق افتتاحه مع معلقات على وسائل الإعلام السورية الحكومية ومن يدور في فلكها عن دوره في عملية الانتعاش الاقتصادي وأثره على المواطن السوري.
حيث أفردت لافتتاحه ساعات من البث المباشر، وصفحات أولى من أهم الصحف الورقية، وافتتاحيات في المواقع الإلكترونية، وعلى الراديو والسوشيل ميديا … إلخ، ما بعث بكثير من الأمل عند المواطن السوري المنهك معيشياً والمنتظر لأي خبر أو معلومة تشير إلى تحسن في واقعه المعيشي فكيف بانتظاره لتحسن ملموس “حدث ولاحرج عن هذا الانتظار”.
إلا أن النتيجة لم تكن كما تشتهي جيوب المواطن السوري ولا اقتصاد بلاده، فالتحسن لا يأتي من خبر هنا وآخر هناك، ولا من ساعات البث المباشر ومعلقات من الخطب والبرامج التي يتبين لاحقاً أنها وهم بوهم، وعلى العكس تماماً فإن أثرها سلبي تماماً على معنويات هذا المواطن وثقته بمؤسساته الرسمية الإعلامية منها وغير الإعلامية، فهو يكتشف أنها تبيعه وهماً.
فالمعبر لم “ينتشل” الزير من البير، والدولار الذي كان يساوي 450 ليرة سورية في شهر تشرين الأول عام 2018 يساوي اليوم قرابة 600 ليرة ونحن على أبواب تشرين الأول 2019، والحركة التجارية ليست في حال جيد وبلغة الأرقام الرسمية فإن صادرات المعبر في ذورة حركته التي استمرت بين تشرين أول 2018 وشباط 2019 لم تتجاوز 13 مليار ليرة سورية، قبل أن تتراجع نسبتها ويغيب تقريباً عن وسائل الإعلام الحكومية والمقربة منها أي حديث عن قيمة هذه الصادرات، التي لاشك أنها تراجعت ولم ترتفع، ولم تحقق أي مساهمة ملموسة على صعيد الواقع المعيشي للمواطن السوري.
حتى أن الأثر الحقيقي للمعبر والمتمثل بالأثر السياسي سرعان ماتلاشى أيضاً، فالحقيقة أن الاقبال العربي على إحياء العلاقة مع “سوريا” مالبث أن “ضغطت فرامله”، وبقي افتتاح المعبر عند حدود آثاره المعنوية المتمثلة بعودة الدولة السورية إلى الحدود وإعادة مؤسساتها للعمل، ودلالات ذلك على استمرار عمل الدولة ومايحمله ذلك من رسائل سياسية في ظل صراع حاد مع الإقليم ودول غربية، وهو مادفع محللين وجهات رسمية لوصفه حينها بالانتصار .
وخطاب الانتصار المرافق للافتتاح كما أشرنا سابق كان ينتظر منه المواطن ترجمة ملموسة لطعم هذا الانتصار خصوصاً أنه ربط بالاقتصاد، لكن هذا الطعم لم يتذوق من قبل المواطن، ما جعل حماس وآمال افتتاح المعبر تنعكس احباطاً وسلبية على المواطن، خصوصاً وأنه تحول بشكل أو بآخر إلى صراع اقتصادي مع الأردن، منع دخول بضائع أو منع خروج بضائع، مايدفع للتساؤل هل كان هناك رؤية أو استراتيجية سورية للتعامل مع المعبر؟، وينسحب السؤال على الأردن أيضاً.
هل تعلموا من درس نصيب؟
اليوم يتكرر سيناريو نصيب مع معبر “البوكمال – القائم” الذي يصل سوريا بالعراق، حيث ترافق افتتاح المعبر بعد ظهر اليوم مع خطاب إعلامي “انتصاري” على الصعيد السياسي والعسكري و”الاقتصادي”، خطاب يضع المواطن أمام نفس الصورة التي رسمها عند افتتاح معبر نصيب، الصورة التي مفادها أن واقعك المعيشي سوف يتحسن، وأن ربط الجغرافيا تم، وسوريا تعود لاستثمار موقعها الجغرافي بالاقتصاد وما إلى ذلك.
اقرأ أيضاً “سوريا”.. عدوان مجهول يؤخر افتتاح معبر “القائم” حتى إشعار آخر!
رفع سقف التفاؤل بالمعبر إعلامياً لايوحي بتعلم من الدرس وهو من شأنه أن يضع الحكومة السورية من جديد في حرج أمام المواطن السوري الذي سوف يطالبها بعد فترة وجيزة بنتائج افتتاح المعبر على أرض الواقع، هذه النتائج التي لن تكون ملموسة فهي كما نتائج “نصيب” ستبقى في نسب مئوية ضئيلة جداً، حتى أن واقع المعبر الإنشائي لا يوحي بأنه جهز بالشكل الجيد، وإنما جهز على “عجل” رغم أن إعلان افتتاحه طال كثيراً وتأجل عدة مرات.
تأجل الافتتاح مرده بلا أدنى شك إلى الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الحكومة العراقية “سياسيا” لمنع حدوث ذلك، فهذا الافتتاح يعني إعادة ربط الجغرافية من منظور سياسي وعسكري “سوريا، العراق إيران” وهو مالا تريده أميركا وحلفاؤها في المنطقة، وهو ماعملت على منعه طويلاً حتى أن المعبر تعرض للقصف “الذي وصف بالمجهول” مرتين قبل افتتاحه.
القصف المجهول يقول كثيرون إنه “معلوم” فالوجود الأميركي العسكري على الحدود السورية العراقية الأردنية (التنف) ليس وجوداً للتسلية وغايته الأساسية وفق مراقبين هي سد الممر البري لإيران والعراق نحو سوريا بما يحمله هذا الممر من أبعاد سياسية وعسكرية وكذلك “اقتصادية” فالأميركان لم يتوانوا للحظة عن القول إنهم سيشددون عقوباتهم الاقتصادية على الشركات التي تتعامل مع الحكومة السورية، وصفحة السفارة الأميركية الرسمية على تويتر لا تنفك تغرد “مهددة” سواء المشاركين بمعرض دمشق الدولي، أو معرض إعادة الإعمار… إلخ.
إذاً بلغة الانتصارات السائدة حالياً والتي تعبر عن حالة الصراع القائم والمستمر على مايبدو، فإن افتتاح المعبر يصنف كإنجاز سياسي وعسكري، لكن النظر له كإنجاز ذا مفعول اقتصادي يحتاج مدة زمنية يلتمس من خلالها المواطن والاقتصاد السوري نتائجه، وإن كان يمكن توقع هذه النتائج عند السؤال: ماذا سنصدر إلى “العراق”؟ هل الصناعة السورية بخير للتصدير؟ هل أسعار المنتجات السورية منافسة في دول الجوار؟ هل تحول زوار سوريا القادمين من العراق لزيارتها عن طريق البر بدل الجو سيكون عاملاً اقتصادياً فارقا!؟ وأسئلة أخرى عديدة.
يحتاج السوريون اليوم أكثر من أي وقت مضى للنهوض ببلادهم من جديد، نهوض يحسن واقعهم المعيشي، ويعزز تماسكهم في ظل جغرافيا سوريا موحدة، نهوض يتلمسوه على أرض الواقع لا في الإعلام، نهوض يصنعونه بأيديهم بمعزل عن الإرادات الخارجية، نهوض يبنوه بالتوافق والشراكة خطوة خطوةً وحجراً بحجر ويداً بيد، نهوض يُبنى على حل سوري سوري يقطع الطريق على تدخلات الخارج ويفتح طريق سوريا إلى العالم من جديد، ناهضة اقتصادياً واجتماعياً وتنموياً… ناهضة بكل المجالات الممكنة.
اقرأ أيضاً مصدر عراقي: افتتاح معبر “القائم” مع “سوريا” خلال أيام