الليرة السورية والقدرة الشرائية: قصة بثلاث ليرات
حدث الأمر في تسعينيات القرن الماضي وهو ليس ببعيد أبداً. حين كانت خرجيتنا للمدرسة 3 ليرات يومياً. لكنها أيضاً كانت كافية لشراء بسكوتة و”آيسة” أو بونجوسة وهو نوع من العصائر اللذيذة في ذلك الوقت. ليس هيناً أبداً استحضار تلك الذكريات خصوصاً أمام ابنة صديقتي التي تصر على 150 ليرة سورية كخرجية يومية للمدرسة في القرية ما يعكس اختلاف القدرة الشرائية بين الجيلين. فما هو بالكم في مدارس المدينة.
سناك سوري – رحاب تامر
كنا نستيقظ صباحاً أنا وأخي وأختي الشاطر من يسبق لعند والدي فقد كانت خرجيتنا مجتمعين عشر ليرات ومن يسبق بأخذها سيحصل على الليرة الرابعة. لكن أبداً الموضوع لم يكن لصالح الذكر. بل لصالح الأنشط والأقدر على الاستيقاظ باكراً. ولطالما سبقتنا أختي التي ما زلت حاقدة عليها حتى اللحظة. تباً لها كم حصلت على ليرات زيادة عني.
تلك الليرات الثلاثة ماتزال محفورة بذاكرتي لا أعلم لمَ. ربما لأن الكثير من أصدقائي آنذاك لم يكونوا يحصلون عليها. بالمقابل كان البعض الآخر يحصل على أكثر منها. لكننا كنا نعوض الأمر على بعضنا البعض. في ذاك الوقت كانت “شوفة الحال” أمر معيب جداً. وتقديم هبة للآخر أشد عيباً. كنا نلجأ لحيلة مختلفة. نتفق قبل كل يوم على أن يحضر كل واحد منا بعض من طعام المنزل. ومن ثم في فرصة المدرسة نذهب إلى السوبرماركت “الدكان” آنذاك. نشتري بخرجيتنا مانحتاجه. ثم نجتمع في الباحة لنأكل ما تشاركنا به من طعام وحلويات. وهكذا حتى الذي لم تسعفه الظروف بأخذ الخرجية كان يحصل على الحلويات. كانت أيام رائعة حقاً للأسف لن يعيشها أبنائنا اليوم.
اقرأ أيضاً: تراجع نسبة الطلب على اللحوم في الأعياد بسبب ضعف القدرة الشرائية
مع تطور الزمن وحين بدأت الأرض تعطي مردوداً جيداً إلى جانب راتب أبي العامل. بدأت ظروف خرجيتنا بالتحسن إذ أن والدي كان قد وعدنا بتحسن الخرجية فور تحسن المردود المادي. وبالفعل هذا ماحدث فقد ازدادت خرجيتنا ليرتين إلا أختي ليرة واحدة على اعتبار أنها كانت تحصل على الأربع ليرات بشكل يومي تقريباً. وبالمناسبة هو أمر أعجبني جداً. لنحصل في عام 1995 على خمس ليرات يومياً لكل منا. يالفرحتنا آنذاك. 5 ليرات كانت تعني سندويشة فلافل وبونجوسة. وفي أيام كثيرة كنا نأخذ معنا بسكوتة من المنزل. فقد كان أبي يحضر لنا أحياناً علبة بسكويت خصيصاً للمدرسة.
الخرجية وقت الأعياد كانت شيئاً مختلفاً تماماً. لقد كانت تصل إلى 25 ليرة سورية كاملة ذات قدرة شرائية هائلة بالنسبة لطفل. لكن لا بد أنكم تضحكون في سركم أليس كذلك؟ فماذا لو أخبرتكم أن تلك كانت ثروة لا تقاس بمقياس؟ بالفعل كانت ثروة. لدرجة أنه من الصعب جداً إنفاقها في يوم واحد. أو على الأقل كان صعبا على أختي. أما أنا فكنت أحب أن أبدد ثروتي تلك على مبدأ أصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب. لم يكن الغيب يتأخر كثيراً. فسرعان ما تجتمع العائلة ونحصل على عيديتنا الأخرى من أعمامي. وهكذا كانت تلك الأيام تمضي. لكنها اليوم مضت تماماً ولم تترك سوى الكثير من الذكريات. الكثير الكثير منها.
اقرأ أيضاً: قطنا: تصدير الزيت نتيجة الفائض الذي سببه انخفاض القدرة الشرائية للناس
اليوم تغير الحال كثيراً وعلى قولة الختايرة “كل مالنا عمنرجع لورا”. كما أنه حتى الشحاذ لا يرضّ أن يأخذ منك 5 ليرات. فكيف بطفلك الذاهب إلى المدرسة. ولكن بالعودة للحديث عن ابنة صديقتي ذات العشر سنوات التي تحصل على 150 ليرة يومياً كخرجية. فهي ترى أنها مجحفة بحقها ولكنها تنتظر زيادة الراتب كغيرها من المواطنين السوريين فقد وعدتها أمها أن خرجيتها ستزيد بمجرد زودة الراتب. تهمس لي رفيقتي: «اتركيها تحلم. كلي ثقة بالحكومة».