تنادي الحركات النسوية في العالم عموماً بفرض نظام “الكوتا” النسائية على المجالس المنتخبة لضمان حضور النساء بحصّة محدّدة تراعي نسبتهنّ في المجتمع.
سناك سوري _ محمد العمر
ويقوم نظام “الكوتا” على أن ينص قانون الانتخابات على نسبة معينة من المقاعد للنساء فقط، فمثلاً يعيّن القانون نسبة 25% من المقاعد لا يقبل الترشّح إليها إلا للنساء، وبذلك يتم ضمان حضور المرأة بنسبة 25% على الأقل.
وتم اعتماد هذا المبدأ في العديد من الدول لا سيما التي تواجه تحديات لناحية تمثيل النساء، والهدف منه أن يتحوّل حضور النساء في الترشيحات والانتخابات إلى عرفٍ تلقائي ومن الممكن حينها إلغاء هذا البند من القانون عندما تكون المرأة قد تمكّنت من حجز موقعها في الانتخابات والسلطة ومراكز صنع القرار.
ويندرج نظام “الكوتا” ضمن ما يعرف باسم “التمييز الإيجابي” تجاه النساء، لا سيما أن العديد من الدول لا سيما في العالم العربي، تتسم الحياة السياسية فيها بالذكورية المفرطة، إذ يسيطر الرجال على عوالم السياسة ويتم تهميش وإقصاء النساء منها بطريقة أو بأخرى، من خلال ترسيخ مفاهيم تتعلّق بقدرات المرأة وأنها لا تمتلك المهارات أو الكفاءة اللازمة لتكون في موقع القرار، بهدف إبقاء المواقع القيادية حكراً على الرجال.
الكوتا الشكلية وتنميط النساء
على الرغم من أن قانون الانتخابات السوري الذي وضع عام 2014 لا ينص على أي “كوتا” نسائية، إلا أن النظام السابق ومنذ تأسيسه عمل على إيصال نساء إلى البرلمان والحكومة ولو بنسبٍ ضعيفة.
كان ذلك جزءاً من استراتيجيته لتصدير نفسه على أنه نظام “تقدمي”، على غرار تأسيسه لـ”الجبهة الوطنية التقدمية” ليزعم أنه “ديمقراطي” ولديه أحزاب شريكة في الحكم.
ولم تكن نسبة النساء في مجلس الشعب السوري ثابتة نظراً لأنها محكومة بمزاجية الترشيحات على قوائم “البعث”، فلم تصل في آخر انتخابات برلمانية إلى 10% حيث نجحت 24 امرأة فقط من أصل 250 مقعد في المجلس.
أما على صعيد الحكومة فقد شكّلت “نجاح العطار” حالة استثنائية فكانت وزيرةً للثقافة منذ عام 1976 حتى عام 2000 وطالما كانت الوزيرة الوحيدة في الحكومات المتعاقبة في تلك المرحلة.
بينما عمل “بشار الأسد” منذ توليه الحكم على تطعيم حكوماته بعناصر نسائية، إلا أن تعييناته تلك فرضت صورة نمطية على النساء الوزيرات، من خلال اقتصار تكليفهنّ بحقائب “لايت” مثل الثقافة، السياحة، الشؤون الاجتماعية والعمل، واستبعادهنّ من الحقائب السيادية أو الأساسية مع استثناءات محدودة مثل تعيين “لمياء عاصي” وزيرةً للاقتصاد والتجارة بين كانون الثاني 2010 وآذار 2011، وتعيين “لمياء شكور” وزيرةً للإدارة المحلية والبيئة بين كانون الأول 2023 حتى أيلول 2024.
والملاحظ هنا، أن الحضور النسائي بقي شكلياً وتنميطياً ولم تمتلك النساء صلاحية الحضور بقوة على الصعيد الحكومي، كما أن هذا الحضور يرتبط أيضاً بمزاجية “الرئيس” وليس بالكفاءة أو الاختصاص، فمثلاً تحمل “لمياء عاصي” شهادة ماجستير في “إدارة الأعمال” فتمّ تعيينها وزيرةً للسياحة أولاً ثم للاقتصاد، أما “لمياء شكور” فتحمل بكالوريوس في الهندسة المعمارية لكنها عملت سفيرةً لـ”سوريا” في “فرنسا” و”سويسرا” قبل وصولها لوزارة الإدارة المحلية.
الحضور النسائي بعد سقوط النظام
بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024 كان الحضور الذكوري طاغياً على السلطة الجديدة، وأثير جدلٌ واسع حول المخاوف من إقصاء النساء عن مواقع القرار والشأن العام في العهد الجديد، لكن السلطة سارعت لمحاولة إثبات العكس وأنشأت مكتباً لشؤون المرأة تولّت رئاسته “عائشة الدبس” مع الجدل الكبير الذي أثاره تعيينها لا سيما حول موقفها من قضايا النساء.
الخطوة الثانية كانت تشكيل لجنة التحضير لمؤتمر الحوار الوطني والتي ضمّت 7 أعضاء بينهم سيدتان هما “هند قبوات” و”هدى أتاسي”، تلاها تشكيل لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري والتي ضمّت أيضاً سيدتين من أصل 7 أعضاء وهما “ريعان كحيلان” و”بهية مارديني”، أي بنسبة 28.5% في اللجنتين.
بينما لم توثّق نسبة الحضور النسائي في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في شباط الماضي، جرّاء عدم إصدار قوائم واضحة بأسماء المشاركين.
أما المشاركة الأهم فكانت عند تشكيل الحكومة السورية الجديدة التي خلفت حكومة تسيير الأعمال بعد إقرار الإعلان الدستوري، حيث تم اختيار “هند قبوات” وزيرةً للشؤون الاجتماعية والعمل لتكون الوزيرة الوحيدة مقابل 22 وزيراً من الرجال، ولم يخرج تكليفها عن إطار تنميط الدور النسائي في المواقع الحكومية.
ضرورة الكوتا النسائية
الناشطة النسوية “سوسن زكزك” قالت أن الكوتا النسائية ضرورية في الحالة السورية، حيث لم يعتد الناس على انتخاب النساء، ولم يعتادوا أصلاً ممارسة الانتخابات بشكلها الحقيقي، فكانت النساء اللواتي يترشّحن كمستقلات سواءً للإدارة المحلية أو مجلس الشعب يعجزن عن الفوز في الانتخابات، مقابل فوز المرشحات على قوائم “الجبهة الوطنية التقدمية” التي كان التصويت لها كاملةً مفروضاً من قبل النظام على الناخبين بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأضافت “زكزك” في حديثها لـ سناك سوري أن من شأن الكوتا إيصال عناصر نسائية في مجالس الإدارة المحلية أو مجلس الشعب، داعيةً كذلك إلى تطبيق الكوتا أيضاً في الأحزاب والمنظمات غير الحكومية لتمكين النساء من الوصول إلى مراكز صنع القرار في هذه الهيئات، لكن البلاد بدايةً بحاجة لانتخابات حتى يتمكّن النساء والرجال من الشعور بأن الانتخابات قادرة على إيصال من يختارونه إلى مراكز صنع القرار.
وصول النساء إلى مراكز صنع القرار يمكن أن يغيّر المشهد السياسي بحسب “زكزك” ليس من حيث الكمّ فقط، بل من حيث النوع أيضاً، نظراً لوجود نساء سوريات متمكّنات وقادرات على تمثيل المجتمعات المحلية التي تنتخبها وليس تمثيل النساء فقط، ما يؤدي وفق حديثها إلى عدالة التمثيل نظراً لأن المرأة نصف المجتمع ويحقّ لها أن تكون متمثّلة بمقدار حضورها في المجتمع.
لكن “زكزك” أشارت إلى أن من الصعب الوصول إلى نسبة 50% بشكل مباشر، إلا أن من الممكن البدء بالتدريج بـ”الكوتا” في جميع المواقع الانتخابية بما في ذلك الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، مطالبةً على إقرار الكوتا في قوانين “الانتخابات” و”الأحزاب” و”الإدارة المحلية”، ويمكن عندها أن تصل النساء تدريجياً بنسبٍ قد تزداد من مرحلة انتخابية إلى أخرى، وصولاً إلى مرحلةٍ يعتاد فيها المواطنون انتخاب الأفضل سواءً كان رجلاً أو امرأة.
كيف تكون الكوتا النسائية في سوريا حقيقية؟
ترى الباحثة النسوية أن من الضروري دعم الجمعيات النسوية ودعم مشاركة النساء في الانتخابات المحلية وانتخابات الجمعيات المحلية، إذ لا يمكن أن تهبط النساء بـ”الباراشوت” إلى مراكز صنع القرار، فلا بدّ من امتلاكهنّ لتجربة ولا يمكن أن تحصد هذه الخبرة إلا عبر الانخراط بالحياة المحلية بدايةً عبر الانتخابات المحلية وحتى انتخابات الأحزاب.
وتضيف أنه في حال حدوث انتخابات على أساس الكتل الحزبية، من الممكن أن يصدر كل حزب قوائمه على أساس “رجل، امرأة” حتى تتمكن النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار.
من جانب آخر، لفتت “زكزك” أنه لا يمكن للنساء الترشّح إلى الانتخابات دون تمكينٍ حقيقي، وذلك عبر إزالة التمييز من القوانين لا سيما قانون الأحوال الشخصية الذي يشكّل مرجعية للقوانين التمييزية الأخرى، ما يستدعي تعديل كافة القوانين التمييزية لجعل الكوتا حقيقية وترشّح النساء حقيقياً، إضافة إلى إقرار قانون يحمي النساء من العنف نظراً لأن النساء اللواتي يردن مخالفة إرادة الرجال إلى العنف، لذلك من الضروري وضع هذا القانون لتكون الكوتا إجراءً حقيقياً وليس صورياً وفق حديثها.
معارضو الكوتا النسائية في سوريا
قد يرى البعض في نظام “الكوتا” انتقاصاً من قدرات النساء، أو أنه يقتصر على التمثيل العددي لا أكثر، ولكن مع أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار فإن مرحلة “الكوتا” تبدو خطوة لا بدّ منها إلى حين ترسيخ الحضور النسائي بشكل تلقائي سواءً على قوائم الأحزاب المترشّحة للانتخابات أو في البرلمان والحكومة، وربما يؤدي رفض “الكوتا” إلى القفز على مرحلة هامة من حيث تشجيع الأحزاب على ترشيح النساء، وتشجيع النساء على خوض غمار العمل السياسي، وتقديم نماذج ملهمة لنساء يمثّلن قضايا المرأة ويدافعن عنها.
تتمثّل أهمية الكوتا النسائية في “سوريا” بعد الاستبداد، في أنها خطوة تغييرية حقيقية وملموسة تجاه فئة طالما تعرّضت للإقصاء والتهميش، في وقتٍ دفعت فيه النساء السوريات أثماناً باهظة خلال سنوات الثورة، وقدّمن رغم ذلك نماذج هامّة وكفاءات متقدّمة وقادرة لتولّي المناصب القيادية والمشاركة في صناعة القرار دون قيود أو محرّمات.
هذه المادة أعدت لـ مبادرة إعلام من أجل النساء