لفتني اسم إحداهن عبر حسابها على الفيسبوك “أم الجوارح”، لأسألها عن سر تلك التسمية. فأجابتني أنه لديها 3 ابناء ذكور، وتيمّناً بمسلسل “الجوارح”، أطلقت على نفسها ذاك اللقب.
سناك سوري – خاص
ما أعاد لذاكرتي ذاك العمل السوري، والمصنف بأنه بداية حقيقية لانتشار أعمال الفانتازيا التاريخية بالبلاد. والذي تم عرضه 1994، ويتناول قصة إحدى القبائل التي أراد زعيمها أن يمتحن أبناؤه ليرسلهم في جهات مختلفة. ويرى ما ينجزه كل منهم، ليتبعه “الكواسر” 1998م، وأخيراً “الفوارس” 1999.
نالت الفانتازيا دلالاً خاصاً باعتبارها نوع درامي نال رضا الجمهور، وتمكن صنّاعها من الاعتماد على خيالهم واللجوء لكل ماهو خارق للطبيعة كعنصر جذب فعال.
فالفرسان والمقاتلين وصراع القبائل كانت السمة المميزة لها، شدنا أداء أبطالها ورأينا ممثلين سوريين بأدوار مختلفة عما اعتدنا عليه. مثل “اسعد فضة”، “رشيد عساف”، “سلوم حداد”، “امل عرفة”، “أيمن زيدان”، “عارف الطويل”، والراحل “صباح عبيد” والكثير غيرهم.
اقرأ أيضاً: كيف قدمت الدراما شخصية الصحفي السوري؟
تضافرت أفكار الكاتب “هاني السعدي” حينها مع عدسة المخرج “نجدت أنزور” ليعكسا القصص بشيء يتقبله المشاهد ويقتنع به العقل. رغم ابتعاده عن الواقع المحيط، وما تعود عليه الجمهور من الدراما المعروضة حينها.
ولو أمعنا النظر بتركيز القائمين على الدراما في فترة زمنية سابقة، لوجدناها عاملاً ربحياً لما حققته من نسب مشاهدة عالية. فأصبح تركيزهم مصوب نحوها، رغم الزحمة الدرامية ما بين الأعمال المتنوعة سواء الاجتماعية أو الكوميدية وغيرها، فقد تمكنت من إثبات ذاتها.
ورغم طابعها التاريخي، إلا انها ابتعدت عن الوثيقة التاريخية الحقيقية بمعناها الحرفي. وخرجت عن دائرة المألوف لتكون الحل الآمن ربما. وامتلاك قدرة التحكم بها بعيداً عن طرف أو اتجاه أو التزام بنص وأحداث معينة.
ومن الأعمال التي صنفت ضمن هذا السياق نذكر “الجمل”، “المسلوب”، “رمح النار”، “تل الرماد”. “الموت القادم من الشرق” والعديد غيرها، والتي بدت مطلب جماهيري لشريحة واسعة.
ومن جهة أخرى وفي حال الرغبة بمعرفة السبب في رواجها، نرى أن عنصر الإثارة والتشويق فيها، وتقديم حكاية خرج بها الكاتب عن النمطية. والكوادر البصرية الملفتة شدت المشاهد حتى ألفها رغم نطقها باللغة العربية الفصحى غير المعتاد عليها في الدراما.
اقرأ أيضاً: سوريون يطالبون بعودة المسلسلات الواقعية وليس فقط “دراما سكان الفيلل”
تراجع عرض وإنتاج تلك الأعمال في السنوات الفائتة، تزامناً مع التراجع الدرامي الذي أصاب الدراما السورية بالمجمل. جراء الفوضى العارمة التي أصابت جميع المجالات في البلاد، وكان ظهورها بأعداد أقل. نذكر منها مسلسل “أوركيديا”، من تأليف “عدنان العودة”، وإخراج الراحل “حاتم علي”، وتم تصويره حينها في “رومانيا”، “الإمارات”. “تونس”، بطولة “جمال سيلمان”، “عابد فهد”، باسل خياط”، “سامر المصري” وغيرهم. وتقوم قصته على حروب بين ثلاث ممالك، هي مملكة أوركيديا، مملكة سمارا، ومملكة آشورية، إضافة لمسلسي “وحدن” و”حرملك” كأعمال فانتازيا جديدة.
وقد أشار البعض إلى ضعف الأفكار الواقعية في تلك الأعمال، وابتعادها عن همومه التي يحلم بأن تجسّد درامياً لتصل للعالم أجمع. إلا أن اللهفة تجاهها لاتزال قائمة عند البعض أيضاً، مادفع مجدداً صناع الدراما السورية بإنتاج مسلسل “فرسان الظلام”. والذي كان من المقرر عرضه في رمضان الفائت، ولأسباب معينة تم تأجيله.
وفي عودة “لأم الجوارح” كواحدة من كثر انجذبوا بكامل حواسهم إلى تلك الأعمال، لدرجة باتت من أحلامهم الفردية. التي لا يجوز تعميمها كظاهرة مجتمعية، إلا أن مجرد وجودها ولو بعدد قليل بعد هذا الزمن على عرضها. يكشف مدى الأثر الواضح الذي تمكنت من تركه عند متابعيها.