الفساد الإيجابي.. جواز السفر السوري نموذجاً – بلال سليطين
عندما تعجز عن محاربة الفساد ...عليك أن تتبناه
للوهلة الأولى قد يبدو قرار وزارة الداخلية بمنح جواز السفر للمواطن السوري بشكل فوري مقابل دفع 100 الف ليرة سوريَّة قراراً تمييزاً ويقسم المواطنين على أساس طبقي.
سناك سوري – بلال سليطين
ومن حيث المبدأ هو كذلك (قرار يكرس الطبقية) فمن يستطيعون دفع الأموال سوف يحصلون على حقهم المكفول دستوريا بسرعة ومن لا يستطيعون الدفع سيحصلون عليه مع روتين وبيروقراطية وربما لا يحصلون عليه إذا كانوا من المغضوب عليهم.
وفي دولة ترفع شعارات الاشتراكية سيبدو الأمر دعما مفرطا للرأسمالية، وترسيخا لعقلية المال مقابل الحياة الكريمة “معك مصاري بتقدر تشتري مازوت بسعر حر وما يتوقف على طابور الدعم، معك مصاري بتقدر تشتري خبز حر ومانك بحاجة بطاقة ذكية، ومعك مصاري فيك تمشي أمورك وانت قاعد ببيتك ومافي داعي حتى تراجع دائرة حكومية….
وإذا ما معك مصاري، بتتمرمط وبتتعذب وممكن تحصل حقك بعد ما يفوت الأوان وعلى سبيل المثال اذا ما معك مصاري بجوز يجي دورك بالعملية بالمشفى بعد ما تموت بينما اذا معك مصاري بتقدر تعملها فورا وووالخ.
طبعا هوية الدولة لم تعد اشتراكية منذ زمن بعيد وإن كانت السلطة تتبنى شعاراتها وتحلم بها لكن الواقع الرأسمالي أصبح أقوى من الشعارات، ونظريات الدعم التي يعاد تعريفها أصبحت أقرب للاشيء في ظل الظروف الحالية للبلاد وانقطاع الموارد الرئيسية.
اقرأ أيضاً: جارنا الموظف الفاسد المحترم – بلال سليطين
لكن من وجهة نظر أخرى يبدو هذا الحل الأمثل لأزمة الفساد العميق التي تعيشها البلاد والتي تجعل كل مواردها كريمة على الأثرياء عصية على الفقراء، فبالفساد يستطيع من يملك المال شراء مئات الذمم، ومايدفعه (الميسورون) يذهب لجيوب الفاسدين في السلطة وتصبح دورة رأس المال بين هؤلاء (ميسور، فاسد، ميسور وهكذا) ومحصورة بهم على حساب قوت المواطن ولقمة عيشه، وعندما يصبح الفساد أقوى منك ومن حلولك الناجعة التي ترفعها لمحاربتها منذ سنين طويلة عليك أن تتأقلم معه وتطوعه لمصلحة العامة.
اليوم بهذه الطريقة بدل أن يدفع المواطن (الميسور، أو القادر) 500 ألف لفاسد كي يوفر له جواز سفر مستعجل، يدفع 100 الف ليرة لخزينة الدولة ويحصل عليه في نفس اليوم، وبدل أن ندفع 2000 ليرة لفلان ثمن ليتر مازوت يمكننا أن ندفع 1700 لخزينة الدولة والحصول عليه وهكذا دواليك.
هذا ما يمكننا أن نسميه الفساد الإيجابي، فكل خيارات الحكومات المتعاقبة لحل مشكلة الفساد لم تثمر حتى عن تخفيفه وإنما عن مضاعفته وربما بهذه الطريقة يمكن على الأقل إعطاءه صفة شرعية لكن لمصلحة عامة وليس لمصلحة خاصة.
في عام 2011 كنت قد دعيت لمؤتمر الحوار الوطني الذي عقدته الحكومة آنذاك وقد طرحت هذه الفكرة وكعادتهم الرفاق ثارت ثائرتهم رفضاً وخدشت مبادئهم بهذا الاقتراح ووصلت بهم الحال لكيل مئات الاتهامات، وهاهم اليوم يعودون لنفس الفكرة التي رفضوها سابقا، لا أقول ذلك (شوفوني انا بفهم) بل لأقول توقفوا عن احتكار العقل والفكر والعيش في أبراج عاجية والتغني بالشعارات وإذهبوا إلى طاولة يستمع فيها الجميع لبعضهم بعضا أفضل من تأخير الحلول 10 سنوات.