رعاية الحيوانات في الحرب: الأمل الباقي في المعزاية – شاهر جوهر
كان المشهد كئيباً، لا ينقصه سوى موسيقا حزينة
بحذائه البلاستيكي المصنوع محلياً. ترجل عن ماتوره الهندي. وقف. ثم حملق من خرم عينيه الضيقتان الى السماء. حيث أشعة الشمس اللاذعة في هذا اليوم الجنوبي الحار. دفعته للتذمر بإيمان:«الله يكون بعونا على نار جهنم».
سناك سوري – شاهر جوهر
دائماً أسمع تلك الكلمة. يبدو أننا شعب واثق أن مصيره جهنم. وربما لهذا السبب نزاول أعمالنا بلا ذمة أو ضمير.
اقترب من المريضة. غمغم في سره ممتعضاً. ثم سوّر حدود عينيه بعدستان طبيتان أخرجهما من جيب سترته. وراح ينظر إلى حالي الحزينة بتمهل. ثم انفجر قائلاً : «من يتكلم معك طبيب بيطري خبرة 17 سنة. ستكون بقرتك جيدة لا تقلق».
وبعد معاينة. وتشخيص لأكثر من ربع ساعة. استوى على قدميه وتنهد: «آه. . بقرتك تعاني من تسمم حاد. أو التواء مصران (أمعاء). أم أنها ابتلعت قطعة حديد. أو لربما لديها حمى. فحرارتها مرتفعة. أممم.. لا تقلق سنضع لها (سيروم). وستنط بعد قليل مثل القردة».
مرت ساعة ولازالت البقرة تتعصر معدتها من الوجع. وتتلوى مثل عروق البطيخ. ورحت أنط حوله مستفسراً عدم جدوى معاينته. فعبس في وجهي. وصرخ: «أقول لك لا تجادل طبيباً قديماً». يبدو أن هذا هو بروتوكول رعاية الحيوانات في الحرب.
سكت قليلاً. ثم دسّ أصبعه في أنفها. ثم راح ينقّل إصبعه بين أنفها ومؤخرتها مستعيضاً به بدل ميزان الحرارة.. عاد بتمهل لحقيبته. أخرج سكينه وهكذا ببساطة نحرها.
اقرأ أيضا : ماذا حدث بعد ليلة عاصفة ؟
أنهى جريمته بتؤدة. مسح سكينه بجلدها. اقترب مني. طبطب على كتفي. وقال: «قد خسرنا رجالاً كثر. وعائلات بأكملها تم طيّها للنسيان. بقرة – أو أي الحيوانات – تموت أو تنقصها الرعاية لن تكون نهاية العالم في هذه الحرب.. عادي».
أقفل نصيحته وحقيبته. وركب ماتوره الهندي ورحل….
كان المشهد كئيباً. لا ينقصه سوى موسيقا حزينة لـ “موتسارت”. أواري عيناي الدامعتان كي لا أرى دمها المتسرب تحت قدماي.. لون العشب الأخضر صار أحمراً.. الحياة لم يعد لها طعم. وبلا لون أو رائحة… آهٍ يا بقرتي الحنونة والطيبة.. كيف لعجول الحي بعد اليوم أن تترنم على خوارك الذي رحل.. كل شيء حولي في المراعي والمروج قد عراه الذبول.. الحياة من حولي خلت من كل شيء. ورائحة زبلك لازالت تملأ الخان والمكان.
بقيت على تلك الحالة. إلى أن رن هاتفي برسالة قصيرة من صديق قصير وقديم. يقول فيها : «رحم الله بقرتكم. صحيح أن الفاجعة كبيرة لكن الأمل بالمعزاية».