العنف الزوجي دفعها للانتحار.. والحل 50 غراماً من الذهب!
العنف ضد النساء بريف درعا حالة معقدة تزداد تعقيداً بغياب مراكز الشرطة
لم يفوّت زوج “آية” 24 عاماً من ريف درعا، أي فرصة أو مناسبة لتعنيفها لفظياً وجسدياً، منذ الأسبوع الأول لزواجهما حين كانت تبلغ من العمر 16 عاماً. لتكون “آية” واحدة من سوريات كثيرات يعانينَ العنف ضد النساء.
سناك سوري-هدى الحراكي
“آية” قالت لـ”سناك سوري”، إنها حاولت اللجوء إلى أهلها، الذين أخبروها بأن معظم الزيجات تشهد مشاكل في بداياتها، إلا أن مشاكل الأم الشابة لم تنتهِ حتى مع تقدم الزواج، وإنجابها لثلاثة أطفال رضيعة عمرها 6 أشهر وطفلين 3 و6 سنوات.
ويرفض الأهل في بعض المجتمعات فكرة طلاق ابنتهم، وغالباً ما يردونها خائبة حين تأتي إليهم بشكوى سوء المعاملة أو الضرب. الذي يحلل البعض استخدامه “لتأديب” الزوجة وفق العرف السائد، الذي لم يتمكن الزمن من محوه بالكامل بعد.
كبرت “آية” وكبرت معها المشاكل الزوجية، التي دفعتها في إحدى المرات إلى محاولة الانتحار. وتقول إنها قبل عدة أشهر تعرضت لعنف لفظي من عائلة زوجها، الذي قام بضربها ضرباً شديداً على إثر المشكلة. ما دفعها لمحاولة الانتحار بتناول شريط من الدواء.
تعرضها للموت يأساً، لم يشفع لها، وعوض محاولة احتوائها وتصحيح الوضع، قامت عائلة زوجها بالتواصل مع عائلتها. وإبلاغهم أن ابنتهم حاولت الانتحار ليبدأ “مسلسل الحلال والحرام” دون أن يكترث أحد منهم للظروف التي دفعت الأم الشابة لهذا الفعل.
للأسف مشكلة أخرى تواجه المعنفات في ريف دعا، وتتمثل بافتقار معظم الأرياف إلى مراكز الشرطة. وفي حالة “آية” كانت هذه مشكلة حقيقية، وكاد طريقها أن يكون مسدوداً، لولا تدخل كبار العائلات ودفع مهر جديد عبارة عن 50 غراماً من الذهب، بحال تكرر الضرب مرّة أخرى. طبعاً لم يقبل الزوج توثيق الاتفاق ورقياً، إنما فقط شفهياً بوجود شهود.
مضت على الحادثة 4 أشهر، تقول “آية” إنه توقف عن ضربها وتعنيفها جسدياً، لكن الأمر لا يخلُ من بعض المناوشات التي تأمل أن تكون خلافات زوجية عابرة كتلك التي تحدث بين كل المتزوجين.
قد يكون حظ “آية” أفضل بقليل من حظ نساء كثيرات، تعرضنّ ويتعرضنّ للتعنيف على يد الأخ أو الأب أو الزوج. حيث نجحت ولو بالحد الأدنى من مواجهة التعنيف في مجتمعها ومحاولة إيقاف زوجها عنه. على سبيل المثال لم يكن حظ الشابة “آيات الرفاعي” جيداً بما يكفي، وتوفيت تحت الضرب المبرح على يد زوجها وعائلته نهاية عام 2021، في جريمة هزّت الشارع السوري. إلا أنها لم تكن كافية لهزّ القوانين وتعديلها بما يشكل ردعاً للعنف ضد النساء.
العنف وضرب زوجها لها بشدة، دفع آية لمحاولة الانتحار، بتناول شريط كامل من الدواء.
راوية اختارت الضرب وأطفالها
تزوجت “راوية” 26 عاماً بعمر الـ15 عاماً، بقرار من عائلتها، التي جزمت أن الشاب مناسب، وأن الزواج “ستر للبنت”. لتبدأ معاناة “راوية” مع التعنيف والضرب أمام الناس وأطفالها الإثنين 6 و9 سنوات.
استخدم الزوج الأدوات الحادة بالضرب بمعظم الأحيان، كما أنه عاطل عن العمل ولا يساعدها بمصروف المنزل. ما دفعها لتحمل أعباء أعمال كثيرة كي تُطعم أطفالها، فعملت بالتسويق عبر الإنترنت، ودلفري توصيل وغيرها الكثير من الأعمال.
حين لجأت “راوية” لأسرتها بحثاً عن حل، لم ترفض الأسرة طلبها بالطلاق، إلا أنهم اشترطوا أن تعود إليهم بدون أطفالها. وأن تتركهم لدى والدهم، خافت الأم وعاشت مشاعر متضاربة بين عاطفة الأمومة وبين الراحة من الضرب والإهانات. إلا أنها اختارت أن تبقى وألا تترك أطفالها تحت رحمة أب ظالم لا يعرف من الأبوة سوى الضرب، على حد تعبيرها لـ”سناك سوري”، مشيرة أنها لا ترى أي حل لمشكلتها.
تتعرض راوية للضرب المبرح من زوجها باستمرار، وحين لجأت إلى أهلها، أخبروها أنهم مع الطلاق لكن يجب أن تترك له أطفالها، فقررت العودة وماتزال مشكلتها بلا حل.
المسؤولية جماعية
مشكلة العنف ضد النساء في درعا لها تحديات معقدة، وتجبر بعض النساء على اتخاذ خطوات يائسة مثل اللجوء لعائلة الزوج، أملاً بالضغط عليه لوقف العنف. كما تقول الناشطة النسوية “أمل حميدوش” لـ”سناك سوري”. وترى أن هذه الخطوة حتى لو بدت حلاً بظاهرها، إلا أنها تكشف غياب آليات الحماية القانونية والاجتماعية الفعالة.
وترى الناشطة النسوية، أن تمكين المرأة اقتصادياً حجر الأساس في مواجهة العنف، فهو يمنحها الاستقلالية التي تحميها من التبعية المادية والتعرض للابتزاز. خصوصاً أن أسرة المرأة الضحية غالباً ما ترفض مساعدتها، خوفاً من العار المرتبط بالطلاق أو الخلافات العائلية في بعض المجتمعات. وهنا يتجلى دور العادات والتقاليد كـ”سلاح ذو حدين”، فبينما يُفترض أن تحمي المرأة، تتحول إلى “وصمة عار” تلاحقها عند طلب الطلاق أو رفض الظلم.
ويقع على عاتق الناشطات النسويات دور محوري في مواجهة هذه التحديات عبر الدعوة إلى سن قوانين رادعة للعنف الأسري. وتفعيل الموجود منها وإنشاء مراكز إيواء آمنة للنساء المعنفات وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهن، وتغيير المفاهيم المجتمعية المغلوطة حول دور المرأة وحقوقها من خلال برامج توعوية هادفة، وايضا تمكين النساء اقتصادياً من خلال توفير فرص عمل وتدريب مهني. على تعبير الناشطة النسوية.
تمكين المرأة اقتصادياً حجر الأساس في مواجهة العنف، فهو يمنحها الاستقلالية التي تحميها من التبعية المادية والتعرض للابتزاز الناشطة النسوية أمل حميدوش
وتضيف أن المجتمع لا يمكن أن يتقدم بالتخلّي عن نصفه، لذا فإن حماية المرأة من العنف واحترام حقوقها مسؤولة جماعية، تبدأ من سن قوانين عادلة وتنتهي بتغيير ثقافة مجتمع بكامله.
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية لعدد حالات العنف ضد النساء في سوريا. إلا أن تصريح مدير عام مشفى الزهراوي في دمشق، “علي محسن”، مطلع العام الجاري. يمكن أن يعطي تصوراً ولو بسيطاً عن الواقع. إذ قال إن المشفى استقبل نحو 40 حالة تعنيف ضد نساء. وأضاف وقتها في تصريحات نقلتها الوطن المحلية. أن عدد الحالات متفاوت، أي أنه من الممكن أن يتم استقبال حالتين كل أسبوع، وأحياناً حالة واحدة شهرياً.