
انتهت فعاليات معرض دمشق الدولي مؤخراً، لكن المنافسة الأشد لم تكن بين الشركات العارضة ولا بين أجنحة الوزارات، بل بين الصحف المحلية نفسها، فيمَن استخدم مصطلح “رسالة إلى العالم”، في عناوينه، ليتحول المعرض إلى ما يشبه بطولة وطنية للرسائل، خرجت منها سانا والثورة والحرية منتصرة بالعدد، لتؤكد أن السوريين لا يقيمون أي مناسبة بلا رسالة جاهزة للإرسال (إن شاء الله الشبكة كانت منيحة لتوصل الرسالة).
سناك سوري-ساعي البريد العالمي
ومن يرصد الصحف الحكومية وتغطيتها للمعرض سيكتشف أن كلمة “رسالة” تكررت في عناوينها أكثر مما تكررت كلمة “معرض”، حتى بات القارئ يعتقد أن دمشق تحولت إلى مكتب بريد عالمي لا إلى ساحة تجارية.
فوكالة سانا وصفت المعرض بأنه “رسالة اقتصادية وثقافية إلى العالم”، بينما نقلت عن وزير الثقافة في عنوان آخر أن المعرض “رسالة حضارية تقول إن شعبنا يعرف كيف يبني”، أما صحيفة الثورة فقد نقلت عن نائب رئيس اتحاد الفلاحين في سوريا قوله: “رسالتنا أننا موجودون بقوة.. لنبعث رسالة للعالم داخليين وخارجيين أننا جاهزون لتطوير القطاع الزراعي بأسرع وقت”.
ولم تشأ صحيفة الحرية أن تفوّت الفرصة، فأمطرت القراء بعناوين متلاحقة، مثل “رسالة بمضمون اجتماعي واقتصادي وبعد سياسي”، “رسالة سيادية ومنصة اقتصادية شاملة”، “رسالة انتصار للعالم”، “رسالة سياسية اقتصادية تُعيد الاستثمار الخارجي إلى ميدان الإنتاج السوري”، وبهذا تكسب المنافسة عدداً.
عدوى الرسائل
المفارقة أن لغة الرسائل لم تعد حكراً على الإعلام المحلي، إذ انتقلت العدوى إلى قنوات أخرى، حتى أن الجزيرة عنونت تقريرها “رسائل اقتصادية وسياسية من معرض دمشق الدولي بعد سنوات من الغياب”، ما أثار شكوك المراقبين بأن العالم بأسره قد قرر أن يتفرغ من الآن فصاعداً لكتابة الرسائل بدلاً من قراءة أي منها، (إرسال رسالة أسهل من أي شي تاني بالحياة).
الداخل بلا بريد
أما المفارقة الأعمق أن الداخل السوري نفسه يغص برسائل لم تجد طريقها إلى أي جريدة، رسائل من أحياء عطشى، من منازل مظلمة، من مطالبين بمواجهة خطاب الكراهية..الخ، لكن لا أحد يلتفت إليها، فهذه الرسائل لا تُباع في مانشيتات، ولا تصلح كهدية للعالم، لذلك تركت مكدسة في صناديق بريد محلية (ما حدا فاضي يفتحها).
مراقبون رجحوا أن تتحول وزارة الإعلام قريباً إلى الهيئة العامة للبريد والرسائل الوطنية، حيث يُمنح كل صحفي حقيبة صفراء ودراجة هوائية لتوزيع رسائل الشعب إلى العالم، بينما تبقى رسائل الداخل في مكانها، بانتظار ساعي بريد لا يأتي.
مراقبون آخرون (غير التنين أعلاه)، أعربوا عن خشيتهم من عودة مصطلح “العرس الوطني”، بوصفه التوأم الشرعي لمصطلح “الرسالة”، خصوصاً أن سوريا على أبواب الانتخابات البرلمانية!