السويداء تستقبل العيد بالحزن والحداد والأطفال يبحثون عن الفرح
المختطفون لدى “داعش” يحتلون الأولوية في التفكير والعمل.. مشيخة العقل تحرم مظاهر الفرح والابتهاج
سناك سوري – رامي أبو إسماعيل
يطلُّ عيد الأضحى هذا العام بشكل مختلف على “السويداء”، فأسواق المدينة التي كانت تزدحم بالناس قبل سنوات تحضيراً لاستقباله البهي، تشهد هذا الموسم حالة من الركود، فالأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة الشهر الماضي ألبست غالبية “أهل الجبل” أثواب الحداد، ما دفع بمشايخ عقل المحافظة لإصدار حرم يمنع مظاهر الفرح والابتهاج بالعيد، ليقتصر مروره هذا على العام على ممارسة الطقوس والشعائر الدينية.
أيُّ عيد؟
كثيراً ما تسمع هذا التعبير “أيُ عيد” عندما تتحدث مع أهالي المحافظة بخصوص قدوم عيد الأضحى والذي يعتبر من المناسبات المهمة في تقاليد “الجبل”، فقضية المخطوفين لدى “داعش” تشغل حيزاً كبيراً من يوميات الأهالي، معتبرين أن عودتهم سالمين هي الأهم في هذه الفترة.
يقول “زياد” (40 عام) وهو صاحب محل تجاري لسناك سوري: «العيد هذا العام مختلف جداً بالنسبة لنا، وكيف يمكن أن نفرح وهنالك العشرات من أخواتنا وأطفالهن محتجزين لدى تنظيم إرهابي، كل عام كنت أقدم العروض على الألبسة، وأستقدم بضاعة جديدة، اليوم أنا أخجل أن أقدم عرضاً أو أمارس ما كنت عليه خلال السنوات السابقة».
لم يتنظر الأهالي “الحرم الديني” لإلغاء مظاهر الفرح والابتهاج بالعيد، لأن غالبيتهم مترابطين مع بعضهم اجتماعياً بأصول القربى، والكثير منهم مصابين بنفس الوجع.
يقول “أبو رامي” (60 عام): «من راح ضحية الشهر الماضي كلهم أبنائي وأخوتي، منهم رفاقي وجيراني، فكيف لي أن أفرح بالعيد وأقدم الحلوى للزوار، يجب أن نحترم مشاعر بعضنا، فمن لم يمت قريبه مات ابن عم جاره، ومن لم يمت جاره توفي نسيبه، أكثر ما نتمناه عودة المختطفات وأبنائهن سالمين».
شهر “الميم”
بعيداً عن الحالة الوجدانية للمحافظة، يفرض الوضع الاقتصادي نفسه كواقع معقد، فبالتزامن مع حلول “الأضحى”، يبدأ المواطن بالتحضير لما يعرف بشهر “الميم” (مونة، مدارس، مكدوس، مازوت)، ما يثقل كاهل المواطن وخاصة مع ارتفاع الأسعار، ومحدودية الدخل وخاصة للموظف الحكومي.
ويؤكد الموظف الحكومي “عمار” (33 عام): «منذ ثلاث سنوات يتزامن قدوم العيد بأصعب الأوقات من السنة، فهذه الأشهر هي الأصعب دائماً على المواطن لما فيها من تحضيرات للبيت وفصل الشتاء والمدارس، رغم أنني لن أقدم أي نوع من الحلويات في العيد حداداً على أرواح من راحوا من الأبرياء، بيد أن أطفالي لا يفهمون ذلك، وهم بحاجة إلى ثياب جديدة وألعاب، ومنذ بداية السنة أعمل وزوجتي على مرور هذه المرحلة بسلام، دون ديون إضافية، وقروض، ولعلنا ننجح».
وينتظر الموظف الحكومي منذ أشهر زيادة الرواتب قبل دخول هذه المرحلة، فالشائعات تكثر كل عام في الصيف، وتتبدد بأول أيام عطلة العيد.
تقول “سناء” صاحبة محل لألبسة الأطفال في حديثها مع سناك سوري: «رغم أنني غير موظفة، ولكنني أنتظر زيادة الرواتب أكثر من الموظفين، فالقوّة الشرائية للناس معدومة. ورغم أننا في “عشر العيد” فالبيع ضعيف جداً، أعلم أن أغلب الأهالي غير معنيين بهذا العيد، ولكن للأطفال حكاية أخرى، فلم تمر سنوات أكثر قحطاً من سنوات مرور العيد مع موسم المونة والمدارس».
إقرأ أيضاً السويداء مفجوعة بأبنائها.. شوارع خالية إلا من “الفزعة”
منذ بدء “الحرب السورية” يعتقد الكثيرون أن العيد فقد لونه الأصيل وقدومه الفرح، وأنه أصبح حالة تذكرنا بأيامنا العصيبة وقساوة الحرب علينا، فلطالما كان العيد في الماضي مصدر للفرح والتواصل، وتعزيز قيم القربى والخير ونبذ الخلافات والأحقاد.
ويشير الباحث الاجتماعي “يوسف محمود” إلى أن العيد فقد الكثير من قيمه الاجتماعية، ويضيف في حديثه لـ سناك سوري: «كان العيد في الماضي يحمل الكثير من المعاني والقيم الخيرة، وكانت أيام مباركة تستغلها الناس بالتواصل والرحمة ونبذ الخلافات. طقوس العيد تغيرت كثيراً عما في الماضي، حيث كان أهالي القرى في أول أيام العيد يجتمعون في الساعة 7 صباحاً في الساحة، ويهنئون بعضهم البعض، ومن ثم تعلوا الأهازيج والأغاني لتدخل بيوت كل القرية، وحتى في المدن كل أهالي الحارات يجتمعوا ويتزاورون. والآن لا يمكننا أن نغفل أن العيد يحمل بعضاً من المعاني الجميلة، ولكن الظروف تغيرت وأصبحت الفجوة الاجتماعية بين الناس تتوسع بوجود الإعلام الجديد، فاقتصرت المعايدات على الرسائل الإلكترونية، ولم يعد العيد فرصة لتقريب وجهات النظر».
ويؤكد “محمود” إلى أزمة البلاد والحرب التي أحزنت قلوب الناس، وألبست معظمهم ثوب السواد، فلم تعد ذائقة الفرح موجودة والرغبة به أصبحت معدومة، وخاصة هذه السنة.
تستمر حالة الاستنفار والقلق في “السويداء” على مصير المختطفات لدى تنظيم “داعش”، بالإضافة للوضع الأمني غير المستقر، ليبقى الشباب مرابطون ليلاً على مداخل المحافظة، وفي قلب المدن، خوفاً من أي خرق قد يحدث أيام العيد. ورغم كل وجع المحافظة إلا أن أطفالها الذين ينتظرون مراجيح العيد، وصحن الفول النابت، هم أنفسهم من حمل السلاح في مقاومة “داعش” ومنهم من قضى نحبه دفاعاً عن أمه وأخواته، آملين بأن ينبت العيد أمناً وسلاماً في قلوب كل السوريين.
إقرأ أيضاً السوريون يتضامنون مع أهالي “السويداء”: “يا جبل ما يهزك ريح”