السماق السوري .. حكاية محصول من أرض الخير التي تكفي الجميع
طقوس خاصة لقطاف السماق في الساحل السوري .. زراعة موروثة عن الأجداد
تتدلى عناقيد السماق السوري الحمراء من أشجارها في مساحة حراجية وأرض عتيقة لم تبخل يوماً على زارعيها بالمحصول الوفير في أرض لا يزال أهلها مخلصين للزراعة كقيمة لا يتخلون عنها بمرور الزمن.
سناك سوري _ حلا منصور
تروي “أسمهان الشيخ” وهي سيدة سبيعينية من قرية “ضهر بلحوس” في طرطوس، لـ سناك سوري حكاية قطاف شجر السمّاق قديماً، الذي كان يكتسبُ طقساً حميمياً باجتماع والدتها مع جاراتها للنزول إلى الأرض والبدء بالقطاف. حيثُ تحمل النسوة سلال القش، فيما تجلبُ بعضهن مقصّات للاستعانة بها على قطاف عناقيد السمّاق المعروفة بقساوتها وحموضتها التي تصعّب مهمة قطفها يدوياً.
تقول السيدة السبعينية: «كان لدى أهلي بستان مليء بأشجار السمّاق، الذي يحتاج لجو معتدل وماء فقط. وتعيد الشجرة الواحدة منه إنتاج أشجار صغيرة بجانبها عبر نثرِ بذورها. يُزهر شجر السمّاق في الربيع، وتتكون عناقيده تدريجياً وتكون بيضاء اللون. ويبقى على الشجر حتى شهر آب، لتكتسب عناقيده لوناً أحمراً قرمزياً بفعل الندى. ما يعني بأنّها أصبحت جاهزة للقطاف».
قطاف السماق السوري
تستذكر الجدة “أسمهان” كيف كانت والدتها تهرعُ لقطاف محصول السماق، في حال باغتتهم الأمطار في يوم ما. قبل أن يذهب المطر بطعمه الحامض ولونه الأحمر.
وتضيف: «بعد القطاف، كانت أمي تفرد عناقيد السمّاق على سطح المنزل تحت أشعة الشمس ليجفَّ جيداً، ويصبح دقّه في الجرن أسهل. مرحلة الدق بالجرن يشترك فيها كل من يمتلك بُنية ويدين قويتين تعينانه على ذلك، من رجال العائلة وشبابها. وهي تسمح بفصل حبّات السمّاق عن العناقيد. ولاحقاً فصل القشرة الحامضة عن البذرة ذاتها.»
ويرتبط محصول كل شجرة بعمرها وكبرها. وبعد تفريط حبات السماق عن عناقيدها، يمكن لكل 3 كيلو من الحبات أن تعطي كيلو واحد من السمّاق الناعم الجاهز للاستخدام.
يمكن لكل 3 كيلو من الحبات أن تعطي كيلو واحد من السمّاق الناعم الجاهز للاستخدام
توزيع المحصول
توارثت “أسمهان” زراعة السمّاق عن آبائها وأجدادها، وتملك اليوم شجرتين عمرهما أكثر من 25 عاماً. لا تبخلان عليها بموسمٍ سنويّ يكفيها وأولادها وإخوتها وجاراتها في حال كان الموسم وفيراً. تعطي كل شجرة منهما ما يقارب 10 كيلو غرام من عناقيد السمّاق. في حين وصل سعر الكيلو منه هذا العام إلى 65 ألف ليرة سورية في القرية. بينما يتم بيعه في مدينة طرطوس بـ 80 ألف ليرة. وكان سعر الكيلو منه العام الماضي 45 ألف ليرة سورية.
تقول السيدة «اعتدنا أن نضيف السمّاق لطعامنا، وأحرص على توزيع كمية كافية منه لأخوتي وجاراتي في بعض الأحيان. هذه الأرض أرض خير وبتكفي الكل».
بالتأكيد أصاب أهل القرية ما أصاب السوريون جميعاً من ضعف القدرة الشرائية بسبب الغلاء. إلّا أنّ الأرض والزراعة منحتهم نوعاً من الاكتفاء الذاتي. حيثُ يحصد أهالي قرية “ضهر بلحوس” ما يكفيهم من الزيتون وزيته، والجوز والعنب والتين والمشمش والبندورة وغيرها من الخضروات.
هذه القصة لعائلة من عائلات الساحل السوري، تسلّط الضوء على أحد أنواع التوابل والأشجار السورية. التي تدخل في مجموعة من الأطعمة وتكسبها مذاقاً لذيذاً، من أهمها صناعة زعتر المائدة، ويعتبر رئيسياً في أكلة “اللوف” الشعبية الشهيرة في طرطوس. كما يضاف إلى أطباق السلطات ومن أهمها الفتّوش الذي يكتسب فيه السماق قيمة أساسية. حيث يتم فركه بالبصل ليكتسب لوناً وطعماً لذيذاً. كذلك طبق المسخّن والسمّاقية وغيرها.
يذكر أن السماق في سوريا يزرع بأنواعه المختلفة بين سماق الخل والصباغين والدباغين والسماق السوري والسماق الشوقي. حيث ينضج محصوله عادةً بين منتصف تموز وأواخر أيلول ويصل إنتاج الشجرة الواحدة بين 2 إلى 4 كيلو غرام.