السلمو يعتذر بعد جدل واسع.. والسوريون يقولون لا لعودة ثقافة التقديس
ردّ الفعل الشعبي على أغنية السلمو يعكس تحوّلاً جذرياً في وعي السوريين بعد الثورة

أجبر الهجوم الكبير ضد التطبيل والتمجيد، المنشد “عبد الله السلمو”، على سحب أغنيته التي غناها للرئيس السوري “أحمد الشرع”، وتقديم اعتذار مباشر للجمهور.
سناك سوري-دمشق
وكان “السلمو” قد أصدر أغنية “سيدي الرئيس كلنا فداك”، التي تضمنت عبارات تحمل طابع التمجيد للرئيس الحالي، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في السوشيل ميديا تضمن هجوماً واسعاً من السوريين على كل ما يمت للتمجيد أو التقديس بصلة، فهم وصلوا إلى مرحلة من النضج والوعي بحيث لن يتقبلوا مجدداً تكرار نموذج نظام البعث السابق.
“السلمو” حذف أغنيته بعد 24 ساعة على إصدارها، وقال في تسجيل صوتي، إن الاعتراف بالخطأ من “شيم الرجال”، مقدماً اعتذاره لكل من شعر بأن اغنيته ذكرتهم بنظام الأسد البائد، من تملق وتمجيد وتقديس للحاكم السابق.
ورغم إزالة الأغنية من المنصات، إلا أن صداها لم يهدأ، إذ تحوّلت إلى محور نقاش واسع بين السوريين على مواقع التواصل، فبينما رأى كثيرون أنّ ما فعله السلمو يعيد إلى الأذهان مشاهد التمجيد القديمة التي كانت تخصص لبشار الأسد ووالده، معتبرين أن هذا النمط من الخطاب “يتنافى مع روح الثورة” التي قامت لرفض تقديس الأفراد، وجد آخرون في اعتذاره خطوة ناضجة تعبّر عن وعي ومسؤولية، وعن إدراك لأهداف التغيير التي سعت الثورة لتحقيقها.
السلمو: الاعتراف بالخطأ من “شيم الرجال”، ويعتذر من كل من شعر بأن اغنيته ذكرتهم بنظام الأسد البائد
ما حدث مع “السلمو” لا يمكن قراءته كحادثة فردية فقط، بل كجزء من تحول أعمق في المزاج العام السوري بعد سنوات الحرب والانقسام، فالسوريون الذين تربّوا على أغاني الولاء الإجباري، أصبحوا أكثر حساسية تجاه كل خطاب يعيد إنتاج رموز السلطة الفردية، وأصبحوا يميزون بين حب الوطن وتمجيد الحاكم.
هذا التحول لم يصنعه الإعلام، بل التجربة نفسها، تجربة الخوف، والفقد، والخذلان، التي جعلت السوري يرى أن الخلاص لا يكون بتأليه أحد، بل ببناء مؤسسات لا تختصر بشخص.
أغاني تمجد النظام السابق
واشتهرت فترة حكم نظام البعث للأسد الأب والابن بالكثير من الأغاني التي تمجدهما، لعلّ أشهرها أغنية الفنانة السورية “أصالة نصري”، “حماك الله يا أسد”، علماً أن “نصري” ذاتها تحولت إلى معارضة للنظام السابق وانضمت للثورة.
المشكلة تذهب أبعد من تمجيد الحاكم بأغنية عابرة، حيث كانت توسم تلك الأغنية بأنها “وطنية”، مختصرةً الوطن بشخص
ودخل فنانون لبنانيون على خط تمجيد “القائد”، فغنى الفنان “علي حليحل” “أبو باسل قائدنا”، كذلك اشتهرت العديد من الأغاني الشعبية مثل “نور ونار يا أسدنا”، والأغنية التي أطلقتها سيرياتيل “منحبك” وغيرها.
والمشكلة تذهب أبعد من تمجيد الحاكم بأغنية عابرة، حيث كانت توسم تلك الأغنية بأنها “وطنية”، مختصرةً الوطن بشخص، ويتم ترديدها بكافة المناسبات الوطنية التي لا علاقة للحاكم بها إنما ترتبط بتاريخ البلاد ومكانتها ومواطنيها.
تمجيد الحاكم بالأغاني.. سمة الحكّام العرب
وبينما لن يسمع أو يشاهد المواطن العربي أي أغنية تمجد حاكم غربي، إلا أنه بالتأكيد سمع وشاهد عشرات الأغاني التي تمجد الحكام العرب.
على سبيل المثال أطلق فنان أردني أغنية “الهيبة” للملك الأردني عبد الله الثاني في عيد ميلاده، كما أن هناك العديد من الأغاني المشابهة مثل “بالعلالي” و”رجال الملك”.
ولم تخلُ مصر بكامل ثقلها الوطني من أغاني تمجيد القائد، ودخل على الخط فنانون من عمالقة الفن العربي مثل الراحل “عبد الحليم حافظ”، الذي غنى “عبد الناصر حبيبنا”، و”يا جمال يا حبيب الملايين”، و”أم كلثوم” بأغنية “يا جمال يا مثال الوطنية”.
أغاني التمجيد ليست فناً بريئاً، بل أداة سياسية رافقت كل نظام شمولي تقريباً، من البعث إلى أنظمة عربية أخرى، هي تعبير عن علاقة مختلة بين الحاكم والمحكوم، حيث يستبدل الولاء للدولة بولاء لشخص
وبالطبع لم تغِب أغاني التمجيد عن الساحة الخليجية، فها هو “عبد الله الدوسري” يغني للملك السعودي “عاش الملك”، كذلك أغاني لفنانين محليين مثل “رمز العرب” و”بوجود أبو سلمان”.
كذلك عن قطر التي غنّى فنانون محليون وحتى عرب تمجيداً لأميرها “تميم بن حمد آل ثاني”، مثل أغنية “تميم المجد” و”أسود تميم” و”تميم الغالي وحده لو شد حيله” وغيرها.
ولعلّ من صدح بالأغاني التي تمجد الزعيم الليبي الراحل “معمر القذافي” لسنوات طويلة، هو ذاته من فرح لخبر إزاحته من الحكم ولاحقاً مقتله بعد الثورة ضده، ويمتلئ الأرشيف الليبي بالأغاني التي تمجد “القائد”، مثل “غالي علينا”، “على صوت الحق ينادي”.
وهكذا يمكن القول إن أغاني التمجيد ليست فناً بريئاً، بل أداة سياسية رافقت كل نظام شمولي تقريباً، من البعث إلى أنظمة عربية أخرى، هي تعبير عن علاقة مختلة بين الحاكم والمحكوم، حيث يستبدل الولاء للدولة بولاء لشخص، وتتحول الثقافة من مساحة نقد إلى مساحة تطبيل.
ورفْضُ السوريين اليوم لأغنية “السلمو” هو رفضٌ رمزيّ لإعادة إنتاج تلك العلاقة، حتى لو جاءت بوجه جديد وشعارات مختلفة.