أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

السلطة تنفرد بالدعم الدولي .. تيارات ناشئة تعارض دمشق دون غطاء معلن

هل بدأت السلطة صرف رصيدها الدولي سريعاً؟ وملفان يعقّدان المشهد أمام دمشق

حظيت السلطات السورية المؤقتة باعتراف دولي منذ اللحظات الأولى لتسلّمها دفّة الحكم بعد سقوط نظام “بشار الأسد” يوم 8 كانون الأول 2024، فيما منحت نفسها الشرعية الداخلية من باب “مؤتمر النصر” الذي أعلن فيه 14 فصيل عسكري تسمية “أحمد الشرع” رئيساً للدولة.

سناك سوري _ محمد العمر

بدا المشهد دراماتيكياً حين بدأت الدول تتسارع ليس فقط للاعتراف بالسلطة الجديدة في “دمشق” بل بالانفتاح عليها، ورفع العقوبات عنها، وتغيير السياسات تجاه “سوريا” عموماً، إلا أن السلطة الجديدة بدأت سريعاً بصرف رصيدها الدولي في القضايا الداخلية.

وبينما لا يبدو أن “واشنطن” غيّرت موقفها من “قسد” بوصفها حليفاً أساسياً في الحرب على “داعش”، فإن الانفتاح الأمريكي على “دمشق” دفع باتجاه إيجاد صيغة للتوافق والحل السلمي بين “قسد” و”دمشق” يجنّب الطرفين المواجهة العسكرية، وبالفعل تم التوصل لاتفاق 10 آذار بين “الشرع” وقائد “قسد” “مظلوم عبدي” لتنظيم اندماج المؤسسات المدنية والعسكرية بمناطق شمال شرق سوريا في الدولة الجديدة.

لقاء الرئيسين السوري أحمد الشرع والأمريكي دونالد ترامب _ انترنت

لكن ذلك التوقيع المفاجئ على الاتفاق الذي جاء على وقع مجازر الساحل، سرعان ما تبدّدت مفاعيله جراء خلافات الطرفين على تفاصيل الاتفاق وتفسير ما ورد فيه، الأمر الذي يحول حتى اليوم دون حلّ جذري لمسألة مناطق الشمال الشرقي.

تغيّر الخطاب الدولي

شهد خطاب الدول تجاه “سوريا” تغيّراً ملموساً بعد مجازر الساحل في آذار، حيث بدأت الدول بدعوة الحكومة السورية لحماية الأقليات ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

رغم ذلك، تابعت “واشنطن” مسار رفع العقوبات على الرغم من حديث البعض عن أن ما حدث سيوقف التوجه الأمريكي نحو رفع العقوبات، إلا أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” مضى في مسار رفع العقوبات بمختلف أنواعها، إلا أن العقبة جاءت من “الكونغرس” حيث لا يزال قانون “قيصر” معلّقاً ولم يتم إلغاؤه كلياً، كذلك الحال بالنسبة لقوانين سابقة من العقوبات بقيت مجمّدة ولكنها لم تلغَ بقرار الكونغرس.

التدخل الإسرائيلي

منذ بداية مسيرتها في الحكم سعت السلطات السورية الجديدة للتأكيد على أنها لن تشكّل مصدر تهديد لدول الجوار بما فيهم كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبدأ الحديث عن انفتاح نحو توقيع اتفاق أمني أو حتى اتفاق سلام، على الرغم من أن قوات الاحتلال بادرت عقب سقوط النظام لاحتلال المنطقة العازلة المنصوص عليها في اتفاق 1974 واعتبرت “سوريا” خارج الاتفاق بذريعة سقوط نظام “الأسد”.

قصف الاحتلال لمقر الأركان بدمشق _ انترنت

إلا أن التدخل الإسرائيلي الأبرز جاء بالتزامن مع “أحداث السويداء” وكانت ضربته الأقوى حين استهدف مقر قيادة الأركان وسط “دمشق”، ثم بدأت تتعالى في “السويداء” أصوات قادها الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز “حكمت الهجري” تشيد بالدعم الإسرائيلي وتطالب بإقليم منفصل جنوب البلاد.

التحركات السياسية

بعد سقوط النظام بدأت بعض الأجسام السياسية بالتشكّل، وبينها مثلاً “تجمع سوريا الديمقراطية” الذي ضمّ شخصيات معروفة بنضالها ضد نظام “الأسد” مثل “فاتح جاموس”، ومؤخراً تشكيل “الكتلة الوطنية السورية” التي أعلنها السياسي المعروف “هيثم مناع”.

إضافة إلى تشكيلات أخرى مثل “المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا” الذي ضمّ ناشطين وحقوقيين من الطائفة العلوية وطالب بفيدرالية وحكم ذاتي لمناطق وسط وغرب البلاد، أو حركة “النهج الوسطي في سوريا” التي أعلن “عمر رحمون” نفسه أميناً عاماً لها وقال أنها تمثل الإسلام الصوفي الأشعري في “سوريا” بمواجهة السلطة القائمة.

وأخيراً، جاءت محاضرة العميد المنشق “مناف طلاس” لتشعل جدلاً بدا وكأنه بمواجهة تيار جديد يعارض سلطة “دمشق”، رغم أن “طلاس” نفسه لم يعلن في المحاضرة التي أقامها في “باريس” عن تشكيل أي حزب أو تيار أو مجلس، إلا أنه أعاد طرح فكرة تشكيل مجلس عسكري وهيئة حكم انتقالية بما يتوافق مع القرار الدولي 2254.

محاضرة مناف طلاس في باريس

كما أن إشارته إلى أنه على تواصل مع 10 آلاف ضابط منشق، دفعت البعض للحديث عن أنه يقدّم نفسه كبديل عن السلطة الحالية وأن بإمكان اتصالاته ونفوذه قيادة البلاد في المرحلة الانتقالية.

لكن جميع التكوينات السياسية المذكورة لم تحظَ بدعم معلن من دولة محددة، وإن كان البعض يتهم هذه التجمعات بالعمل لصالح أجندات خارجية ضد السلطة الحالية، إلا أن الدعم والاعتراف الدولي لا يزال منحصراً في “دمشق”، وليس أمامها من عقبات سوى حل ملفي الشمال الشرقي و”السويداء” لتنفرد بالتمتع بالشرعية الدولية كسلطة وحيدة تقود “سوريا” في المرحلة الانتقالية.

من هنا، يبدو أن لدى “دمشق” رصيد دولي نشأ بسرعة بعد طول انتظار لسقوط “الأسد”، إلا أن هذا الرصيد لن يكون لا نهائياً، وسيتناقص مع كل انتهاكات جديدة أو حوادث لا تقوم فيها الدولة السورية بمهامها، بينما سيتصاعد هذا الرصيد في حال التوصل إلى اتفاقات وحلول سواءً مع “قسد” شمالاً أو مع “السويداء” جنوباً.

في حين أن مشهد الانقسام السوري الحالي قد يدفع بعض الدول للتدخل ودعم طرف من هنا أو من هناك لتوسيع الفجوة بين السوريين وخلق انقسامات جديدة.

وبالتالي فإن المسؤولية تقع على السلطات الانتقالي “دمشق” في استثمار الدعم الدولي عبر الانفتاح على الداخل السوري وجذب كل الأفرقاء ومناقشة طروحاتهم وهواجسهم ومخاوفهم، وإنقاذ البلاد من شبح الانقسام أو التقسيم كونها السلطة المسؤولة التي تقود الدولة في واحدة من أخطر مراحل تاريخها الحديث.

زر الذهاب إلى الأعلى