تتضارب التصريحات بخصوص أسباب توقف إنتاج مادة السكر في سوريا. فمرة تُلقى المسؤولية على عدم توافر المواد الأولية. وهي الذريعة المثيرة للاستغراب إذا ما عدنا بالزمن نحو شهرين إلى الوراء، لنتذكر صرخات استغاثة مزارعي الشوندر بضرورة استلام محصولهم. ومرة إلى قِدم الآلات وعدم قدرتها على العمل، وهي الذريعة المثيرة للاستغراب في بلد أنهكته الحرب لكنه يحرص على الاهتمام بالمشاريع السياحية!
سناك سوري-دمشق
تتضارب التصريحات بخصوص أسباب توقف إنتاج مادة السكر في سوريا. في الوقت الذي يحصد فيه المستوردون أرباح توقف المعامل. ويدفع المواطن والفلاح الثمن!
مطلع الأسبوع الفائت تحديداً يوم الأحد، قال رئيس دائرة بحوث المحاصيل في هيئة البحوث العلمية الزراعية، “فادي عباس”، بتصريحات نقلتها تشرين المحلية. إن الوضع الحالي لزراعة وصناعة السكر المحلي صعب للغاية. نتيجة عدم وجود معامل تستوعب الإنتاج كون معمل شركة سكر حمص متوقفاً وتكاليف إصلاحه مرتفعة. وكذلك معمل شركة سكر تل سلحب فيه أعطال لم يتم إصلاحها منذ 2014.
وبعد خمسة أيام تماماً من تصريح “عباس”، وتحديداً اول أمس الخميس، قال مدير شركة سكر حمص، “صالح الصالح”. في تصريحات نقلتها الوطن المحلية، إن المعمل متوقف حالياً لعدم توفر المادة الأولية!. مضيفاً أنهم يعلنون بشكل مستمر عن شراء 25 ألف طن سكر خام عن طريق مؤسسة التجارة الخارجية.
وما يزيد من غموض التصريحات، ما حدث لمزارعي الشوندر السكري شهر آب الفائت. الذين اشتكوا عبر “سناك سوري” حينها، من تأخر استلام معمل سكر تل سلحب للمحصول، وتخفيض الاستلام إلى 10 بالمئة يومياً.
فلو أن المشكلة في توافر المادة الأولية، فقد كانت متوفرة قبل شهرين، إذاً لماذا لم يتم تحويل استلامها إلى معمل سكر حمص. الذي يشتكي من قلة توفر المادة الأولية؟! بما يضمن استمرار عمله وتجنيب الفلاحين الخسائر التي تكبدوها نتيجة تأخر الاستلام؟ والتي قدروها بـ35 بالمئة من المحاصيل.
إنتاج السكر يوفر 96 مليون دولار على الخزينة!
لا تتوفر معلومات رسمية حول كلفة إعادة تأهيل معمل سكر حمص، لكن مديره السابق “ياسر أيوب“، كان قد قال العام الفائت، إنهم أجروا صيانة كاملة لمعمل الخميرة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بقيمة مليون دولار. وبالتالي يمكن أن يكون هذا الرقم مؤشراً على كلفة إعادة تأهيل شركة السكر.
وبالعموم وبشكل تقريبي تتراوح تكاليف إنشاء معمل لصناعة السكر من الشوندر السكري في دولة ذات تكاليف منخفضة مثل سوريا. ما بين 10 وحتى 40 مليون دولار بالمتوسط. فكلفة البنية التحتية والمباني تتراوح بين 2 إلى 8 مليون. والآلات التي يمكن استيرادها من الصين بين 5 إلى 20 مليون. وتكاليف التشغيل بين 500 ألف إلى 2 مليون سنوياً. أما بالنسبة للعمالة فتقريباً لن تكلف مبلغاً يذكر بالنظر إلى انخفاض الدخل بشكل كبير. والمواد الخامة ستكون متوفرة بحال اتخذت الحكومة خطوات جدية بدعم محصول الشوندر السكري.
ودعم هذا المحصول الاستراتيجي، من شأنه يكون استثماراً ناجحاً. حيث يوفر إنتاج السكر سنوياً نحو 96 مليون دولار على خزينة الدولة، وفق ما ذكرت صحيفة قاسيون في تقرير لها عام 2020. مشيرة أن كلفة استيراد السكر عام 2018، وصلت إلى 193 مليون دولار!
هل يتغير هذا الواقع اليوم؟
ربما يكون السوريون على موعد مع تغيّر هذا الواقع، استناداً إلى تصريحات وزير المالية الجديد “رياض عبد الرؤوف”. الذي انتقد مؤخراً السياسات المالية السورية خلال السنوات السابقة. وقال في مداخلته خلال الجلسة الحكومية الأولى لحكومة “محمد الجلالي”. إنه كان هناك توجهاً غير مناسب في السياسة المالية خلال السنوات السابقة. والذي يتمثل وفق الوزير بتخفيض قيمة ونسبة الإنفاق الاستثماري لصالح الإنفاق الجاري.
والإنفاق الاستثماري يتعلق بالانفاق على كل المشاريع الاستثمارية سواء كانت زراعية أم صناعية وغيرها. في حين أن الإنفاق الجاري يشمل المواد الاستهلاكية مثل مخصصات الدعم والإنفاق على الخدمات العامة وغيرها.
وبالتالي فإن إعادة تأهيل معمل السكر يعتبر إنفاق استثماري، يعود بالنفع على الفلاحين والقطاع الصناعي وخزينة الدولة. إلا أنه بالتأكيد سيكون غير جيد بالنسبة لمستوردي السكر. فهل تكون بداية إصلاح معمل السكر على يد حكومة “الجلالي”؟