الرجال والنساء.. تشاركية تحكمها أفكار المجتمع أحياناً وتتحرر منها في أخرى
الواقع المعيشي الصعب فرض واقعاً جديداً لصالح النساء وتغيير الصورة النمطية تجاههن
لا أتفاعل كثيرا مع بعض دعوات النسوية التي تقول إن الظلم يقع فقط على النساء في “سوريا”. ففي هذا الزمن يعاني غالبية الرجال كما غالبية النساء من الفقر. فبينما تحاول النساء انتزاع لقمة العيش من العمل اليدوي والمشاريع الصغيرة، يحاول الرجال انتزاعها من أعمال مضنية لا تناسب مراحلهم العمرية وحالتها الصحية. وليس ببعيد عن تلك الفكرة يعمل الرجال جنباً إلى جنب مع النساء لتأمين احتياجات الحياة مهما كان التعب كبيراً.
سناك سوري-رهان حبيب
“رجاء ” ٥٥ عاماً من “السويداء”، تستيقظ في ساعة مبكرة لتحضير المعجنات لتلبية طلبيات الحي المجاور دون إصدار ضجة وإيقاظ النائمين. رغم أنها عملت اليوم السابق ولساعة متأخرة في حياكة قطعة كروشيه تبيعها كما تعودت لتحسين دخلها.
تضيف لـ”سناك سوري”: «لم أحصل على وظيفة ولم أتمكن من البقاء مكتوفة اليدين والاعتماد على راتب زوجي فهو مثلي يعاني لنتمكن من تلبية احتياجات المنزل والأولاد».
تقاسمت “رجاء” مع زوجها قسوة الظروف، وتجد في نفسها محظوظة أكثر منه كونها وجدت عملاً بفضل مهارات تعلمتها حديثاً.
لا تجد السيدة الخمسينية، أن رودود أفعال الرجال والنساء على الأوضاع الاقتصادية السيئة واحدة لأنها كإمراة ابتكرت عدة أساليب لتقاوم شعور قلة الحيلة. بصناعة المعجنات والمعمول وأنتجت من عملها ما يكفيها نسبيا لكن زوجها بالمقابل كان يناوب يوم بوظيفته والأيام الأربعة يقضيها دون عمل.
التقت “رجاء” بنساء كثيرات، أسسن لمشاريع رغم أنهنّ كنّ موظفات، وهي لا تستغرب ذلك فمن خلال تجربتها تدرك أن النساء برغم العناء امتلكن أفكاراً منطقية للعمل في المنزل وخارجه. وفي الغالب هنّ من كنّ يصممنَ فرصة العمل دون انتظارها.
تعد “رجاء” اليوم لمشروع جديد في تصنيع الألبان والأجبان لتكفي نفسها وعائلتها، خصوصاً بعد تخرج ابنتها من الجامعة وسفر ابنها، مؤكدة أنها لن تتوقف عن العمل.
معاناة “رجاء” لا تبدو بعيدة جداً عن معاناة “نضال” 55 عاماً، والذي وبعد تقاعده الصحي من معمل الأحذية بحث عن عمل جديد طويلاً. وفي آخر المطاف استأجر سيارة لبيع الخضار لربما تساعده قليلاً في تأمين بعض مصاريف المنزل.
يضيف لـ”سناك سوري”، أنه لم يتوقع البحث عن عمل وهو في هذا العمر، وقد خذلته فقرات ظهره ليعمل بالمهنة التي أتقنها سنوات طويلة والتي خرج منها براتب تقاعدي 100 ألف ليرة لا يكفي حتى أبسط متطلبات حياته.
اقرأ أيضاً: سوريا.. الفجوة في سوق العمل والاختلال الجندري
لها عملها ولي عملي
“نضال” والد لـ4 أولاد، اثنين منهم طالبان جامعيان، يقول إن زوجته سبقته للعمل في مجال تصنيع الألبان قبل 10 سنوات، ولولا عملها لكانت الأمور أكثر سوءا بكثير. ويضيف أنه يجدها أوفر حظاً كونها تعمل من المنزل.
من سوء حظ “نضال” أنه اقتنع بفكرة تحقيق الوظيفة للكفاية، وقد تأخر كثيراً ليفكر في عمل جديد بعد التقاعد، في الوقت الذي يرى أن الكثير من النساء بادرنَ للعمل الثاني مع الوظيفة. وانطلاقاً من هذه التجربة يشجع “نضال” اليوم ابنه الطالب الجامعي للبحث عن عمل كون زمن الأزمة طويل والقادم أكثر ثقلاً وصعوبة كما يتوقع.
لم يقتنع الخمسيني بفكرة الانضمام لزوجته بالعمل، وربما يعود هذا لميراث فكري قديم عن عمل المرأة ونظرة المجتمع. ويضيف أنه لا يطيق فكرة العمل تحت إدارة زوجته فلها عملها وله عمله.
اقرأ أيضاً: سمية الحمادي.. بائعة العصير تحبّ زوجها ولا تهتم لنعومة يديها
حان الوقت لتغيير أفكارنا
بعيداً عن فكرة عمل النساء والعمل معهن، يرى “اسماعيل” 63 عاماً أن المشروع الذي تديره زوجته البالغة من العمر 52 عاماً، فرصة جيدة لكليهما في تحسين ظروف العائلة، لذا فإنه يساعد في عملية التوزيع.
يضيف “اسماعيل” لـ”سناك سوري”، أنه قبل التقاعد بدأ بمساعدة زوجته بتأمين الفواكه للمربيات وشراء الخضار واحتياجات المشروع الغذائي. كما أنه يتولى نقل المواد وإيصالها حين تشارك في أحد المعارض وهو لا يشعر بالحرج أبداً كونها صممت المشروع وتعمل بجد.
الزوجان اللذان يعانيان بعض المشاكل الصحية المرتبطة بالتقدم في العمر، يتشاركان ويتعاونان في مشروعهما الصغير، وحين تذهب الزوجة لدوامها في المدرسة يناوب زوجها عنها في العمل. يضيف “اسماعيل”: «أتصور أن الوقت قد حان لتغير أفكارنا ونتشارك لحياة أفضل».
اقرأ أيضاً: استخفاف وشتائم.. سائقون يتنمرون على نساء سائقات