
يصف الإعلان الدستوري لسوريا المرحلة التي تمر بها البلاد بأنها مرحلة انتقالية، وكذلك الحال تصفها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والحكومة السورية، لكن عندما يأتي الأمر على ذكر الرئيس الانتقالي ينقضّ عليك بعض السياسيين والإعلاميين وكأنك ارتكبت جريمة إساءة.
سناك سوري – بلال سليطين
لقد اعتدنا في سوريا إحاطة الرؤساء بهالة كبيرة تمنع أن يكونوا مؤقتين أو انتقاليين أو حتى مُنافَسين أو مرتبطين بانتخابات وصندوق اقتراع، فهم محصنون تحصيناً يمنع المساس بهم حتى باستخدام توصيف قانوني متطابق مع حالتهم “إنتقالي، مؤقت”. هذه الهالة تشكّلت عبر عقود من غياب التنافس الانتخابي الحقيقي، وتحويل الرئيس إلى رمز فوق السياسة.
تتفق أدبيات جميع المسؤولين في السلطة وكذلك المجتمع الدولي والخبراء الدستوريين والقانونيين أن سوريا تمر في مرحلة انتقالية، وهذه المرحلة الانتقالية بدأت بسقوط النظام وتستمر لمدة خمس سنوات وفقاً للمادة 52 من الإعلان الدستوري الذي جاء فيها حرفياً: “تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري”.
تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري المادة 52 من الإعلان الدستوري
الإعلان الدستوري ليس وثيقة استشارية أو رأي سياسي، بل هو المرجع الأعلى الذي يعلو على أي تفسير أو رغبة أو اجتهاد، كما يعلو على رغبات البعض وآرائهم ومواقفهم الشخصية. وقد كانت مقدمته واضحة في التنبيه لاحتكار السلطة ومصادرة الحقوق وتمكين الحكم الاستبدادي. وأننا اقتلعنا تلك المرحلة وأزلنا الظلم والقهر وانبعث الأمل في بناء دولة حديثة قائمة على العدل والكرامة والمواطنة الحقة.
بالاستناد للمرجعية الدستورية الوطنية التي تسمو فوق كل شيء، ولتوصيفات الأمم المتحدة المعززة لهذه المرجعية، فإن السلطة في سوريا هي سلطة انتقالية، وجميعها من دون استثناء من مؤسسة الرئاسة إلى مؤسسة الحكومة ومجلس الشعب… إلخ، هي مؤسسات الحكم الانتقالي في سوريا.
وهذه السلطة الانتقالية يقع على عاتقها أهم مسؤولية أمام الشعب السوري ومستقبله، وهي نقل البلاد من مرحلة الاستبداد والظلم والقهر، إلى مرحلة العدل والكرامة، وبناء دولة مؤسسات حقيقية وتعزيز مبادئ المواطنة… إلخ.
الرئيس الخادم للشعب
وإذا عدنا لخطاب الرئيس خلال المرحلة الانتقالية أحمد الشرع بعد تكليفه بمهامه، فقد قال إنه تسلم البلاد بعد مشاورات مكثفة مع الخبراء القانونيين لضمان سير العملية السياسية ضمن الأعراف القانونية بما يمنحها الشرعية اللازمة. وهذه الأعراف القانونية وهذه الشرعية قائمة على مرحلة انتقالية.
ويمكن القول إن الشرع كان مدركاً تماماً لضرورة إزالة الهالة التي تحيط بمنصب الرئيس في سوريا والتي لطالما ساهمت في وضع رؤساء ومسؤولين سابقين في مكان ما فوق الشعب. لذلك قال في أول خطاب له: “أخاطبكم اليوم لا كحاكم، بل كخادم لوطننا الجريح“.
الرئيس الانتقالي.. التوصيف القانوني ليس موقف سياسي
إن مصطلحات “المؤقت” أو “الانتقالي” لا تعيب أي مسؤول، وهي مصطلحات قانونية دقيقة تعبّر عن مهام في مرحلة محددة. بل إن استبعاد هذه المصطلحات من الأدبيات السياسية والإعلامية ومؤسسات الدولة هو ما يسيء للمسؤول ويغيّر توصيفه القانوني ويضعه في موضع ليس فيه قانونياً أو دستورياً.
ما تمر به سوريا اليوم هي مرحلة انتقالية، ورئيسها هو رئيس المرحلة الانتقالية من آذار 2025 إلى آذار 2030، هكذا يقول الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس “الشرع” بيده. وهكذا تقول تجارب الدول من مصر إلى تونس والسودان وغيرها من الدول التي مرت في توصيفات مشابهة.
والاعتراف بحقيقة “الانتقالي” ليس موقفاً سياسياً، بل التزاماً بالدستور نفسه وبالمسار الذي اختارته سوريا بإرادتها، وتقود هذا المسار السلطات الانتقالية. ومن يعتقد أنه يسيء للرئيس بإطلاق صفة “الانتقالي” عليه، فإنما هو يعلي من احترامه وتقديره بمنحه التوصيف الدستوري والقانوني. أما من يعتقد أن استخدام صفة الانتقالية إساءة للرئيس ويجب منعها، فإنما يسيء للرئيس بنزع صفته الدستورية والقانونية عنه وتحويله إلى رئيس دائم، وهو ما يتنافى مع مبدأ الانتقال التي تمر به سوريا اليوم.
الوضوح الدستوري ليس تهديدًا لأحد، بل حماية لسوريا وللمسار السياسي الذي تمضي فيه.








