الديمقراطية في العمل السياسي – ناجي سعيد
غالبية البلدان العربية نظامها ديكتاتوري ظالم، ولبنان الغني بتنوّعه وتعدّد طوائفه، تحوّل إلى تعدّدية ديكتاتورية
سناك سوري – ناجي سعيد
خلال تنفيذي لمهمّة منسّق المراقبين لعملية الإنتخابات النيابية 2018 في قضاء صور، وهذا ضمن تطوّعي في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطيّة الإنتخابات (LADE)، أوّد أن أتحدّث عن الديمقراطية كمفهوم في العمل السياسي، وكيف يتعاطى الناس مع هذا المفهوم. هل هم فعلاً يؤمنون بالديمقراطيّة الحقّة؟، أم اعتادوا على “الديمقراطيّة الكذّابة”؟، المصطلح الذي ابتكرته لوصف حالتنا في لبنان. الديمقراطيّة بحسب فهمي لها: قبول الآخر كما هو، وهذا المدخل الأساسي الذي يؤدّي إلى قبول الإختلاف بشكل عام.
وفي لبنان بدأت الديمقراطية بنظر الجهات السياسية المسيطرة-أو “البوسطات” كما هو متعارف انتخابياً- بأن “تجرّأ” بعض الأطراف المُعارضة للسلطة الحالية بالترشّح على مقاعد، ومنافسة أصحاب السلطة. نعم، الديمقراطية إنحسرت في جهة المعارضة من حيث الترشّح والمنافسة، لأن الديمقراطية لم تطل “الجمهور” الناخب “المغلوب على قراره”، فضمان الطبقة السياسية في الوصول إلى كراسي المجلس النيابي أمرٌ محسوم. وقد تفلّت ضمانهم لعدم أذيّة جمهورهم للناخبين المعارضين في بعض الأماكن، على أن يضمن تدخّلهم إن احتاج الأمر (لا سمح الله) عدم حدوث حرب أهليّة، مخبّأة شرارتها في جيوب الزعماء السياسيين.
وما يُدهشني فعلاً، أن وصفي للناس بالتبعية دون “وعي سياسي” هو وصفٌ خاطئ. نعم فقد قال لي بكل “طمأنينة” أحد المندوبين لمرشّحي السلطة-ممّا أظهر وعيًا سياسيًّا- بأن هذه ليست انتخابات بل “استفتاء”. نعم وهو الشخص نفسه (وقد عرفت اسمه لاحقًا) قد قدّم ولائه لضمان استمرارية بقاء لقمة عيشه بأن علّق “يافطة فيها صورة زعيم” ووقّعها باسمه طبعًا، هذا الولاء الذي يترجم حالة الإنتماء دون نقاش. وأقول دون نقاش الآن، فقط لأني متفاجئ بأنهم يعلمون أنهم تابعون، وينتخبون من يتبعونهم الذين يعلمون بدورهم، أن التابعين سينتخبونهم للأبد.
وبالعودة إلى الديمقراطية، ديمقراطيتنا الخاصة ببلدنا الجميل، لا بُدّ من ذكر بعض الحوادث، التي لم تُعالج كما يبدو، وذلك لأنها تتكرّر. وأقصد بالحوادث كل ما يتعلّق بالتعبير عن المشاعر والأفكار بواسطة السلاح المُتفلّت. نقتل من أجل “صفّة سيّارة”، نقتل عندما نطلق النار ابتهاجًا (في الأعراس والنجاح والتخرّج..). وخلال الإنتخابات حدث العديد من الإشكالات بين بعض الأطراف التقليدية، والطارئة على العمل السياسي في لبنان. والبعض منها (أي الطارئة) لا تُعتبر فئات مسّلحة. لكن السلاح كامن في أحضان العديد من هذه الأطراف. حتّى مصطلح “المجتمع المدني” خُطف لصالح أكثر من مرشّح، وذلك فقط لأنه “موضة” جديدة وقد تجلب كميّة أصوات إلى الصناديق.
الديمقراطية أن “نرضى” بما هو سائد بحجّة الإنضمام إلى الهويّة الجماعية. نعم من المُعيب، أن تُعلن للآخرين أن الحقّ في المحاسبة أهمّ من الحقّ بالإنتخاب. لأن المحاسبة أصبحت من الحقوق المُعيبة “مجتمعياً”. فالتابعون يستغربون أنك لاتنتخب لأن اعتراضك على غياب المحاسبة ليس وارداً في قاموس الجماعة. فهم وإن كانوا “يسمعون” رأيك، فطبيعي بل مُحتّم أن لا يدخلوه في دائرة الإعتبار . وحكماً ينتهي صوت الناخب حين ينزل في الصندوق لصالح المُرشّح التقليدي.
نعم اعتراضي “الغريب” والمنسجم مع وعيي، إلتقاء هذا الإعتراض بـ “حلمي” ببلدٍ ديمقراطي ينتخب فيه الناسُ مجلسًا تشريعيًا يمثّلهم ويشرّع القوانين التي تحاكي حاجات الناس. ولا تُمثّل فيه الطوائف والمذاهب، بل تُمثّل فيه كل الفئات العمرية والجندرية، على اختلاف معتقداتهم ومواقفهم السياسية التي تفسح لكل فئة في النضال من أجل التغيير السياسي التي تؤمن به. وأنا الذي أعترض وأنتقد طريقة “تصويت” الناس لصانعي الفساد في البلد الذي أكثر من يعترض فيه على الفساد هم صانعوه.
أعتقد أننا سبّاقون ومبدعون في المجالات كافةً. نعم فبعد أن اكتشف جدودنا الفينيقيين “الحرف” ومن على شاطئنا الجنوبي اكتشفوا “الصباغ الإرجواني”، الآن أتى من يكتشف المفهوم الجديد في الوطن العربي وبشكل ريادي لا مثيل له: الديكتاتورية المتعدّدة بالصباغ المذهبي الطائفي الملّون بألوان الفئات السياسية كافةً.
نعم فمعروف في غالبية البلدان العربية أن نظامها ديكتاتوري ظالم، ولبنان الغني بتنوّعه وتعدّد طوائفه، تحوّل إلى تعدّدية ديكتاتورية، ولم يُنتج ديمقراطية. بل ابتكر إسمًا -يُسكت النخبة الواعية بالعمل السياسي- وهو “ديمقراطية توافقية”، والحقيقة التي تعرّي مفهوم الديمقراطية الحقيقي هي ديكتاتورية تلبس عباءة الديمقراطية.
فـ باستطاعة الناس إختيار الديكتاتورية، حتى في الفئة نفسها على حساب التقسيم. فكل طائفة منقسمة الآراء شرط أن لا تخلع القميص الطائفي. وليست هذه مناورة يلعبها زعماء الطائفة لكسب أصوات تصل بهم إلى مقعد انتخابي لدورة واحدة، وارتكازهم القانوني باستمرارية “قبض رواتب” نائب الشعب لمدى الحياة يضمنها وضمن القانون الفاسد، أصوات الناخبين لأربع ولايات متتالية، فلو لم ينجح في الولاية الخامسة فهو يقبض راتبه لمدى الحياة. وهذا كفيل بعدم بذل جهد الفاسدين بعد الولايات الأربع.
نعم لقد حسب المشرّعون خط الرجعة لاستمرارية النائب الفاسد!! لقد بدأت كتابة هذه المقالة قبل السابع عشرة من تشرين الأوّل، وهذا يعني أن الثورة بدأت بمكان لا يراعي منطق مسار الثورة، لذا من السهل على المشكّكين الدخول بشكل سلبي لنقض مصداقية الثورة، وكأن الثورة برأيهم المنطقي تحتاج لمشاهدة برنامج مراعاة “الأتيكات” عند القيام بأي سلوك حياتي، وهذا برنامج تعرضه قناة تلفزيونية لبنانية وتقدّمه خبيرة بالأتيكات!! والأتيكات هي جزءٌ من التواصل الجيّد، طبعًا لا يمكننا نكران ذلك، لكن كيف لفقير مُعدم ينام معظم أيام أسبوعه بلا عشاء أن يحترم الأتيكات؟ والمصيبة الأكبر لا تقف هنا، بل كيف يعلم “المسؤول الفاسد” بجوع الفقير؟ حتّى الفقير الذي ينهي حياته، ولا من مسؤول يعير انتباهه لذلك؟ حتى دفعت لا مبالاة المسؤول الغنيّ ومعدته المُتخمة بدفع الفقير لمخالفة الشرع. مع أن الأديان التي تشمل الغني والفقير تُحرّم قتل النفس، ويمكنني هنا أن أجزم بإطلاق صفة الكافر، على الغني الذي يخالف تعاليم الدين العادلة التي تحترم كل الناس، بل أيضًا صفة “تكفيري” بدفعه الفقير على الإنتحار، وهذا هو الكفر بعينه!
اقرأ أيضاً: شائعات.. الغاية لا تبرر الوسيلة – ناجي سعيد