الحوار الوطني السوري.. الأولوية للتفاصيل
كيف يمكننا إنجاح الحوار الوطني السوري والاستفادة من تجارب الدول؟
تتجه سوريا حالياً نحو إقامة حوار وطني بعد سقوط النظام وهي تجربة عاشها السوريون سابقاً وشهدتها العديد من دول المنطقة. لكن بالحقيقة أن هذا الحوار فشل لعدة أسباب فكيف يمكننا إنجاح الحوار الوطني السوري مسبقاً.
سناك سوري – بلال سليطين
ليست سوريا أول دولة تعقد حواراً وطنياً فقد شهدت العديد من دول الجوار والعالم حوارات وطنية منها “السودان، والعراق، وجنوب إفريقيا، وكولومبيا”. وكذلك “اليمن” و”تونس” اللتان شهدتا من حيث التصميم والإجراء أفضل التجارب التنظيمية لكن النهايات لم تكن سعيدة دائماً لأسباب عديدة لابد للسوريين التعلم منها قبل إجراء الحوار الوطني المنشود.
بمراجعة لتجارب حوارات الدول يمكن القول أن تونس كانت من أفضل التجارب في المنطقة لعوامل عديدة أهمها أن المجتمع المدني والنقابات في تونس كانت قوية وفاعلة. وقد نالت مؤسسات المجتمع المدني التي وقفت وراء إجراء الحوار الوطني في تونس (المجموعة الرباعية) جائزة نوبل للسلام عام 2015. وذلك نظراً لدورها في بناء الأرضية السياسية لإصلاح الدستور والمؤسسات في البلاد.
تصميم وأهداف الحوار الوطني
سبق لسوريا أن نظمت حواراً سمي “الحوار الوطني” بشكل مركزي وفرعي وقد كنت أحد المدعوين لهذه الحوارات. ويمكنني القول أن الأسباب الرئيسية لفشل هذا الحوار أنه لم يكن لدى النظام البائد أي رغبة بالتغيير وبالتالي فقد الحوار أهم عوامل نجاحه وهي “الإرادة”. بالإضافة إلى أن الحوار افتقد أيضاً للتشميل والتنوع وغاب عنه مشروعية الوصاية آنذاك.(موقع سناك سوري)
فالحوارات الوطنية يجب أن تكون شاملة لأبعد حد ممكن سواء لناحية الفرقاء السياسيين أو المجتمع بتنوعه الفكري والثقافي. ولكي تحقق النجاح في عمليات الانتقال السياسي لابد أن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المجتمع ومصالحه لكي تنال القبول لدى مجموع السكان. وهو ماكان مرفوضاً بشكل مسبق في حالة الحوار السوري 2011 والذي افتقد حينها لشرعية الإجراء من أساسه.
فالحوار الوطني السوري من أهم أهدافه الوصول لحل دائم للنزاع ولتجاوز حقبة الماضي والمضي نحو المستقبل. وبالتالي هو محاط بمخاطر عديدة منها عمل البعض مثلاً على تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد وهو ماحدث في حوار 2011.
وحتى نمنع هذا علينا أن نوفر أفضل هيكلية للحوار الوطني المزمع إجراءه في سوريا، بما يحقق توسيع المشاركة أبعد بكثير من النخب السياسية والعسكرية فقط.(موقع سناك سوري)
تُعقد الحوارات الوطنيّة كجزء من عملية الابتعاد عن الحرب الأهلية، وبعد عمليات الانتقال السياسي عندما تُنزع الشرعيّة عن المؤسسات السياسية القديمة وتستدعي الحاجة وضعَ آليّات أكثر شمول أسباب عديدة لعقد الحوارات
من المفترض أن يتولد عن الحوار الوطني في سوريا إدارة جديدة ضمن نظام سياسي واقتصادي واجتماعي جديد يعيد بناء المؤسسات ويمهد لعقد اجتماعي (دستور). بما يؤدي في المحصلة لبناء سلام مستدام ويحقق التنمية في بلد منهك من الحرب والنزاعات وهو أمر تعترف السلطات الحالية في سوريا بأهميته.
مراحل الحوار الوطني
تمر الحوارات الوطنية في معظم التجارب التي راجعناها بثلاث مراحلة رئيسية “التحضير، إجراء الحوار، وتنفيذ المخرجات” وهي ثلاث مراحل مترابطة ارتباطاً عضوياً. وأي خلل في أي منها ينعكس على كل المراحل الأخرى.
وبتقديري سوريا حالياً تمر بمرحلة الاستكشاف التي تأتي ماقبل التحضير، فنحن حالياً نستكشف الوجوه والشخصيات الفاعلة في البلاد وكذلك الأولويات والقضايا للسوريين.(موقع سناك سوري)
وهذا الواقع السوري بالحقيقة يتطلب عدم التسرع بالحوار لضرورة تحقيق البناء الصحيح له وعدم إنضاجه على عجل كما حصل في تجارب أخرى كثيرة.
لكن في مرحلة الاستكشاف يمكن أيضاً بدء وضع ملامح اللجنة المتخصصة التي ستحضر وتدير الحوار، وهي بالغة الأهمية لناحية أن تكون واسعة التمثيل وشديدة الحياد. وهذا اللجنة مسؤوليتها تحضير العملية والاشراف عليها وتقديم الدعم الفني لها والتيسير وآليات المساعدة على التوافق وبناء الثقة وفهم المخاطر والاحتياجات إلخ. بالإضافة لتقديم مدخلات الحوار والمواضيع الجوهرية التي يحتاجها السوريون. وبحالة سوريا الراهنة مثلاً قد لايمكننا أن نجري حواراً على كل القضايا دفعةً واحدة وبمكان واحد وهنا يمكن أن نخلق مجموعات ضمن مجموعة الحوار الكبرى تكون متخصصة بالمواضيع. وكمثال يمكن أن يكون هناك مجموعة “العدالة الانتقالية، الحوكمة والإدارة المحلية..إلخ”.
هنا من الضروري التركيز على الخطأ الكبير الذي شهدته سوريا خلال سنوات طويلة برمي السهام على التكنوقراط أو غير المصطفين سياسياً. وتدميرهم معنوياً ونفسياً واجتماعياً ووطنياً بحجة أنهم “رماديين”. واليوم في لحظة فارقة يجد السوريون أنفسهم بأمس الحاجة للتكنوقراط بعد تغير الأمر الواقع بالبلاد وسقوط النظام الأمر الذي أدى لتغير التحالفات حتى داخل الأطراف التقليدية السابقة وخلق تحالفات جديدة لم ينجُ منها إلا من هم بالأساس محافظين على موقعهم التقني فقط.
وفي حالة سوريا قد تكون أبرز المشكلات التي قد نواجهها في عملية الحوار هي الملكية والقرار الوطني للحوار وهذا يتطلب جهداً كبيراً من كافة الأطراف. وهو يتعدى بكثير مسؤولية اللجنة التحضيرية ليكون مسؤولية جميع المتحاورين. وهناك تجارب سابقة عديدة في الدول التي لم يكن قرار الحوار فيها وطنياً مثل تجربة العراق 2004 على سبيل المثال والتي أفرزت نتائج كارثية على البلد الجار لسوريا.
التمثيل والتشميل في الحوار الوطني
عمليات التمثيل والتشميل تحتاج دراسة واقعية ومنفتحة للقوى والفاعلين والتنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا وهذا يحتاج لبعض الوقت أيضاً. لكن هناك محددات عامة تشير إلى 3 مسارات رئيسية أولها يتمثل بالسلطة والقوى السياسية والعسكرية، وثانيها الجهات الفاعلة والهامة ممن لديهم تواصل مع المستوى الأول وتأثير على المجتمعات وهؤلاء غالباً يكونوا مجتمع مدني ونقابات وشخصيات وقادة رأي على المستوى الوطني وحتى رجال دين..إلخ. أما المستوى الثالث فهو يتشكل من القادة المحليين بالمناطق وكذلك المنظمات المحلية والإدارات المحلية والمبادرين المحليين..إلخ.(موقع سناك سوري)
وبالتالي يجب أن يكون هناك 3 مسارات للحوار مترابطة و3 مراحل متداخلة وليس مرحلة واحدة “نخبوية فوقية”.
هنا نحن نتحدث تماماً عن حوار ، وعادة ما يتم العمل لكي تكون مخرجات الحوارات قائمة على التوافق وبالحقيقة للمجتمع المدني السوري تجربة متطورة جداً بالوصول لمخرجات توافقية. منها مثلاً بيان المجتمع المدني 2018 ومخرجات غرفة دعم المجتمع المدني والتي مرت بمسار حواري مهم جداً وانتهت بالتوافقات رغم وجود اختلافات عميقة بين الأطراف المشاركين في صياغة هذه المخرجات.
بتقديري أن معظم المجتمع المدني السوري خلال تجربته السابقة أدرك أهمية التوافق في إعداد الأرضية لتحقيق مشاركة وتعاون أكبر وتوفير الاحترام المتبادل. وهو ماساهم في المحصلة ببناء الثقة والحفاظ على جسور التواصل رغم محاولة سلطات الأمر الواقع سابقاً قطع أي تواصل ومنع أي توافق.
أهمية التفاصيل في إنجاح الهدف
قيل سابقاً عن معظم السلطات التي مرت على سوريا أنها مبدعة بالإغراق في التفاصيل. لكن في حالة تنظيم الحوار الوطني تبدو التفاصيل بالغة الأهمية ونجاحه يكمن في هذه التفاصيل.
وعلى سبيل المثال حول التفاصيل شكل مائدة الحوار، مثلاً معظم دول أوروبا الشرقية اعتمدت طاولات مستديرة للحوار محدودة العدد (عشرات). بينما في اليمن كان هناك اجتماع كبير من 565 شخصاً. وبالذهاب إلى أفغانستان يصل العدد إلى 1600 مشارك في الحوار.(موقع سناك سوري)
واختلفت أهداف الحوار بين الدول لكن معظمها أسس لدساتير هدفها أن تساهم في تجاوز مرحلة العنف وبناء السلام، كما هو الحال في أفغانستان، ألبانيا، كينيا..إلخ. وهي لم تكن تجارب شديدة النجاح وربما تكون تجربة جنوب أفريقيا الأكثر إيجابية لناحية التطور والتنمية والاستقرار والسلام الذي شهدته البلاد بعدها.
فالتفاصيل المهمة التي نتحدث عنها هنا تبدأ من شرعية عملية الحوار، وعدم الاقصاء، وعدم التركيز على أهداف قصيرة الأمد، وعدم الانتباه لضرورية واقعية المخرجات…إلخ من عوامل.
تجارب دول فشل فيها الحوار الوطني
في اليمن فشل حوار 2014 لعدة أسباب منها أنه لم توقع جميع الأطراف على الاتفاق. وأيضاً لأنه لم يتم الالتزام بمخرجات الحوار من قبل السلطة حينها ولأنه كان هناك فصيل لديه سلاح خارج الدولة. علماً أن اليمن يعد من أفضل تجارب تصميم الحوارات وأفضلها مخرجات لكن دون التزام.
أما في أفغانستان فقد فشلت نتائج الحوار لأنه كان حواراً إقصائياً قائماً على منتصر ومهزوم بشكل أو بآخر ولعبت القوى الخارجية دوراً كبيراً في مخرجاتها.
إلى السودان التي أطلقت الحوار الوطني السوداني 2014، نجد المشكلة أنها كانت بمن دعا للحوار والذي تمثل برئيس الجمهورية وحده حينها “عمر البشير”. كما أن السلطة حينها لم تهتم ببناء الثقة. والمعارضة رفضت الولاية على الحوار من قبل السلطة القائمة بمفردها وبالتالي فشل الحوار.(موقع سناك سوري)
باعتقادي أن تجربة تونس كانت الأفضل لناحية التنظيم والمعايير الحقوقية والسياسية نظراً لقوة الجانب النقابي فيها والدور الكبير للاتحاد التونسي للشغل. وبالمناسبة أعتقد أن سوريا تمتلك عامل قوي هو المجتمع المدني الذي بنى تراكماً كبيراً خلال 14 عاماً من العمل في خضم ظروف معقدة.
كذلك يمكن النظر لتجربة اليمن بإيجابية كبيرة لناحية أنها كانت الأنضج بالتفاصيل كالإعداد وتشكيل لجنة الاتصال في أيار 2012 واستمرار تحضيرها حتى آذار 2013. وتميزت أن جدول الأعمال لم يتم وضعه بشكل منفرد من قبل طرف دون غيره، وبالدور الأممي كداعم حيادي للعملية.
إضافة لإجراءات بناء الثقة التي تم العمل عليها في اليمن، حيث تم وضع 20 إجراء لبناء الثقة ماقبل الحوار… وهذا ساهم في في خلق الثقة بشكل كبير لكن المشكلة كانت لاحقاً أن البنود العشرين لم تنفذ كاملة وهو ما أدى لتدمير مصداقية العملية وتدمير نتائج الحوار في نهاية الأمر.
بالتالي نجاح العملية يتطلب وضوح وشرعية من يطلقها وجودة التحضير لها وكذلك محتواها والغرض والأهداف وجدول الأعمال والمبادئ التوجيهية.. وكذلك المهل وآليات المتابعة وضمانات التنفيذ والأساليب والمدة..إلخ.