الحكومة السورية الجديدة .. وزيرة واحدة ومشاركة شبابية استثنائية ووزارتان جديدتان
مراعاة التنوع المناطقي والطائفي .. الحكومة خارج تصنيفات السياسة والتكنوقراط

في ساعة متأخرة من مساء الأحد 29 آذار، أعلن الرئيس السوري “أحمد الشرع” تشكيلة الحكومة السورية الأولى بعد سقوط النظام والتي ترأسها بنفسه بعد أن أقرّ الإعلان الدستوري النظام الرئاسي بالكامل فأزال منصب رئيس الحكومة.
سناك سوري _ دمشق
وفي حفل ضمّ جمهوراً واسعاً من المدعوين، بدأ الكشف عن أسماء الوزراء تباعاً، بعد كلمة ألقاها “الشرع” وتعاقبت بعدها كلمات الوزراء الذين تم اختيارهم في الحكومة الجديدة.
وبينما لم تضم الحكومة الجديدة أي تشكيلات سياسية في صفوفها، وضمّت الوزراء كأفراد وليسوا كأعضاء في تكتلات سياسية، لكن هذه القاعدة تستثنى منها “هيئة تحرير الشام” رغم حلِّ نفسها، إذ احتفظت بالحقائب السيادية عبر تعيين “أسعد الشيباني” للخارجية و”أنس خطاب” للداخلية و”مرهف أبو قصرة” للدفاع، و”مظهر الويس” للعدل، و”محمد عنجراني” للإدارة المحلية والبيئة و”محمد البشير” للطاقة.
لكن التشكيلة الحكومية حاولت أن تضفي على نفسها نوعاً من التشاركية فضمّت الوزيران “نضال الشعار” و”يعرب بدر” اللذان شاركا في حكومات سابقة لكنهما خرجا من تلك الحكومات مع بداية الثورة.

من جانب آخر، أشركت الحكومة اسمان قادمان من خلفية “مجتمع مدني” بتنصيب “هند قبوات” وزيرةً للشؤون الاجتماعية والعمل، و”رائد الصالح” وزيراً للكوارث والطوارئ وهي الوزارة المستحدثة في الحكومة الجديدة. علماً أن الأخير كان يعمل في شمال غرب سوريا سابقاً ويحسب من المقربين للهيئة.
معدل أعمار منخفض ومشاركة شبابية
السمة الأساسية التي تميّز الحكومة معدّل أعمار وزرائها المنخفض الذي وصل إلى 47.04 عاماً، فيما كان معدل الأعمار في حكومة “محمد الجلالي” الأخيرة زمن النظام السابق يبلغ 58.3 عاماً.
حيث يعدّ وزير الإدارة المحلية والبيئة “محمد عنجراني” أصغر الوزراء سناً بـ 33 عاماً، مقابل وزير الاقتصاد “نضال الشعار” الأكبر سناً بـ 69 عاماً.
ويؤخذ على الحكومة ضعف المشاركة النسائية بتواجد امرأة واحدة مقابل 22 وزيراً من الرجال، ويحسب لها إشراك الشباب بتواجد الوزير “عنجراني” 33 عاماً، ووزير التنمية الإدارية “محمد حسان سكاف” 35 عاماً.
ولم تضم الحكومة وزراء دولة بلا حقيبة على غرار الحكومات السابقة، لكنها استحدثت وزارتين هما “الكوارث والطوارئ” لـ”رائد الصالح”، و”الرياضة والشباب” لـ”محمد سامح حامض”.
تنويع مناطقي وطائفي
كما حاولت التشكيلة الحكومية إظهار تنوع مناطقي في انتماءات وزرائها لكن النسبة الغالبة بقيت لـ”دمشق” وريفها، إلى جانب مشاركة وزير كردي هو “محمد عبد الرحمن تركو” الذي أسندت إليه وزارة التربية والتعليم، لكنه لا يعدّ ممثلاً للكرد بالمعنى السياسي نظراً لأنه لا ينتمي للأحزاب والكيانات السياسية الكردية، بل أتى من خلفية أكاديمية في جامعة دمشق.
وعلى الصعيد الطائفي، بدا أن التشكيلة الحكومية أظهرت مراعاةً للطوائف بتعيين وزيرة مسيحية “هند قبوات” ووزير درزي “أمجد بدر” للزراعة، ووزير علوي “يعرب بدر” للنقل.
هل هي حكومة تكنوقراط أم حكومة سياسية؟
لا يمكن اعتبار الحكومة الحالية “تكنوقراط” بمعنى أن تكون حكومة تقنيين من الكفاءات المختصة بكل وزارة على حدة، إذ لا يستقيم ذلك مع وجود “مرهف أبو قصرة” وزيراً للدفاع وهو خريج كلية الهندسة الزراعية، و”مظهر الويس” وزيراً للعدل وهو خريج كلية الطب البشري.
كما لا يمكن اعتبارها حكومة سياسية، بمعنى أن يأتي أقطابها من كتلٍ سياسية أو أحزاب أو تيارات لها وزن في الشارع وتوصِل أعضاءها إلى السلطة التنفيذية، فلا يوجد تمثيل سياسي لأي تيار آخر غير “هيئة تحرير الشام” والتي أعلنت في وقتٍ سابق حلَّ نفسها.
لكن عدم إشراك الكتل السياسية المتواجدة حالياً في الساحة السورية مثل “الإدارة الذاتية” سيسارع في فتح باب الانتقادات على طريقة تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي بادرت إليه “الإدارة الذاتية” حين اعتبرت أنها حكومة اللون الواحد.
وعلى الرغم من توافد بيانات الترحيب بتشكيل الحكومة من دول المنطقة مثل “تركيا، الإمارات، السعودية، الأردن، قطر” ودول العالم مثل “ألمانيا، النرويج”، إلا أن أمام الحكومة تحدٍّ حقيقي في إثبات انفتاحها على كافة المكونات السورية وأنها حكومة كل السوريين ولا تحمل أي توجّه للإقصاء أو فرض اللون الواحد على البلاد.
وقد دأب المسؤولون الغربيون على المطالبة بتشكيل حكومة انتقالية تشمل جميع المكونات السورية، وربطوا ذلك بملف رفع العقوبات، وتصاعدت تلك المطالبات بشكل أكبر بعد الأحداث التي شهدها الساحل السوري من مجازر طائفية هدّدت السلم الأهلي ووحدة البلاد ككل.
تحديات الحكومة الحالية كبيرة في بلدٍ عانى 14 عاماً من الحرب التي ضربت بناه التحتية وأضعفت قدراته واقتصاده وموارده، لكنها اليوم أمام فرصة نحو المستقبل بعد زوال النظام الديكتاتوري، وإفساح المجال أمام أفق أوسع يجتمع فيه السوريون معاً لبناء دولتهم في فرصة استثنائية لبلد لا يحتمل التعثّر ولا تفويت الفرص.