أكثر المتشائمين لم يتوقع أن تمردا صغيرا في جنوب البلاد قد يؤدي لفوضى عسكرية وطائفية دامية تغرق البلد والمنطقة بظلالها لسبع سنوات على التوالي. وبالعودة إلى الجنوب اليوم يجب التساؤل عن مستقبل المنطقة إن كانت ستخضع لحسم عسكري أو لتسوية سياسية
سناك سوري – شاهر جوهر
فالموقع الجيوسياسي الذي يحتله الجنوب السوري. وتعقيد التحالفات الإقليمية ذات الطابع العقائدي لدى طرفي الصراع دفعت الجميع لصعوبة توقع النتائج. وجعل الصراع في البلاد غاية في التعقيد يتضمن روايات سياسية ودينية وعرقية وطائفية وعشائرية.
لذا وبعد خيارات الحسم العسكري التي اتبعتها القوات الحكومية في “إدلب” و”الغوطة” وقبلها “حلب”. تردد في خاطر الجميع التساؤل التالي”هل سيتم اتخاذ نفس الخيار في الجنوب؟.
لكن يبدو أن مراقبة ميدانية لحالة الصراع في هذه القطعة الجغرافية بكل تعقيداتها. يدفع للقول إنها مفتوحة لجميع الخيارات. فتوقع مصير الجنوب هو أﺷﺒﻪ ما يكون ﺑﺘﻮﻗﻊ ﻧﻘﻼﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻟﻠﻌﺒﺔ ﺷﻄﺮﻧﺞ بآلاف ﺍﻟﻘﻄﻊ. إذ ﻛﻞ اﻟﺘﺤﻠﻴﻼﺕ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ ومقبولة. لذا يتراوح التخمين السياسي في أدنى حدوده ما بين خيار الدفع بالآلة العسكرية لربح المنطقة بالقوة من جهة وما سيرتبه من مواجهة ربما مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية. وما بين أنصاف حلول تتمثل بحسم عسكري في بعض المناطق وتعامي عن إدارة بعضها الآخر من قبل دول إقليمية.
فرص الحسم العسكري
في نهاية شباط / فبراير الماضي قال الأدميرال الروسي “كوليت فاديم” مسؤول منطقة خفض التصعيد بالمنطقة الجنوبية خلال اجتماع عقد مع ممثلي بعض البلدات والقرى في محافظة “درعا” قال إن:«وجهة الجيش العربي السوري بعد الانتهاء من العمليات العسكرية في “إدلب” و”الغوطة الشرقية” هي المنطقة الجنوبية».
اعتُبر ذلك التصريح بمثابة ضغط روسي لإلحاق المنطقة باتفاقات التسوية والمصالحات وإلقاء السلاح. أو مواجهة مصير “إدلب” و”الغوطة”. و ما فاقم من مخاوف المعارضة تأكيد القاعدة الروسية في “حميميم” على صفحتها شبه الرسمية في فيسبوك أن موعد المعركة الفاصلة في الجنوب بات قريباً. يقوي ذاك التهديد حديث الإعلام السوري الرسمي المتكرر عن سيناريو “الغوطة”.
لهذا السبب ولربما لضغط محلي بدفع من الفعاليات المدنية في “درعا” و”القنيطرة” دفع كتائب المعارضة المسلحة للتحضير لاطلاق عمل عسكري وصفه وقتئذن ناشطون لـ سناك سوري بـ”الكبير”. وذلك إن لم يكن لتخفيف الضغط عن “الغوطة” هو لحماية نفسها من مصير بات على ما يبدو محتوما بنظرها.
لذا سارعت بتخبط لقصف مواقع للحكومة قبيل إعلان المعركة. ما دفع الأخيرة للرد على مصادر النيران بقصف مدن عدة وبلدات في ريف درعا الشرقي بأكثر من 26 غارة جوية.
اقرأ أيضا : وكالة: انضمام 18 بلدة وقرية في ريف درعا لنظام المصالحة الوطنية
سارعت وزارة الخارجية الأمريكية أمام ذاك التصعيد بتحميل “الحكومة السورية” مسؤولية ما يحدث في جنوب البلاد. ودعت في الثالث عشر من آذار / مارس الجاري لعقد اجتماع عاجل في الأردن. بسبب قلقها من تقارير قالت إنها:«أفادت بوقوع هجمات في جنوب غرب سورية داخل منطقة عدم التصعيد التي جرى التفاوض عليها العام الماضي».
في تلك الاثناء نقلت مواقع إلكترونية عن مصادر قالت إنها «مطلعة». عن قيام وفد من الضباط الروس بالاجتماع مع بعض القيادات العسكرية التابعة للحكومة في مدينة الصنمين (شمال درعا) . تمخض الاجتماع كما جاء في المصدر التزام روسيا بوقف اطلاق النار في الجنوب. مع التأكيد أن الطيران الروسي لن يشارك في أي عمل عسكري في تلك المنطقة.
رأى ناشطون – في حال كان الاجتماع الروسي الأخير صحيحاً – أن تفاهماً مبدئياً حدث بين الولايات المتحدة وروسيا للالتزام باتفاق وقف اطلاق النار.
يعزز هذه الفكرة ما جاء في نص الرسالة الامريكية التي نقلت “عربي 21” نصها – وذلك عقب الاجتماع الامريكي في “الأردن” مع قيادات عسكرية أردنية وبعض فصائل المعارضة – حيث جاء فيها:«إننا نحثكم على ضبط الأعصاب. والتفكير ملياً في أهلكم من المدنيين. وعدم إعطاء الذرائع للنظام لقصفهم والقضاء على آخر معقل للمعارضة المعتدلة في سوريا”.
وان كان من الصعب توقع أن عملا عسكريا على الجنوب خلال هذه الفترة على الأقل لن يحدث. فإن مواجهة روسية – أمريكية في سورية هي ورادة وفي أي لحظة.
تسويات من نوع آخر
لكن كل ذلك لا يعني استبعاد الجنوب وتحييده تماما والحفاظ على الوضع الراهن فيه. إذ يرى مراقبون أن روسيا تحاول شطر الجنوب الى قسمين. ان لم يكن عسكرياً فهو باتفاق اقليمي مع دول مثل (الأردن وإسرائيل). حيث تناقل ناشطون من درعا خلال الأيام القليلة الماضية أخبار عن ما أسموه «خطة روسية وبتغاضي اميركي لإخراج فصائل الجيش الحر من مدينة درعا وحدود نصيب بشكل كامل لاعادة فتح المعبر خلال الايام القادمة ضمن خطة خفض التصعيد. وأنه تم إعلام قادة الفصائل في المنطقة الجنوبية بذالك».
وفي حال تم ذلك بالفعل فإن حديث “اسرائيل” عن منطقة آمنة بطول 40 كم من حدود “الجولان” المحتل حتى مدينة “نوى” في درعا قد تكون وجدت مقوماتها للتنفيذ.
وما يدفع البعض لترجيح ذلك السيناريو و أنه بات يترجم الأن عالواقع هو ما قامت به “وحدة التنسيق والدعم” (ACU) في الجنوب الأحد الفائت 18-3-2018 من اخطار المجالس المحلية في درعا والقنيطرة بأنها ستوقف إمدادهم بالطحين تدريجياً من بداية نيسان / أبريل القادم حتى ايقاف الدعم بشكل كلي نهاية العام الجاري.
هذا الامر كما يقول مراقبون سيدفع المجالس المحلية في الجنوب مرغمة للتعاطي العلني مع الاحتلال الإسرائيلي لتأمين مادة الطحين. وبالتالي نقل ادارة الجنوب من الأردن الى إسرائيل.
بينما يرى مراقبون آخرون أنه من الممكن أن يقود المجالس المحلية للاتجاه نحو الحكومة السورية مدعومة ببعض الفصائل ما قد يفضي الى اتفاق تسوية يبدد الحل العسكري.