الجندي الذي انشق باسم الحب: انشق ليخطب حبيبته عائشة
عزيزتي عائشة حرب كسر الخواطر لن تنتهي اليوم
عزيزتي عائشة: لا أدري إن كانت الحرب خبراً صحفياً جيداً. ولا أدري إن كانت ستصلك رسالتي هذه وسط كل هذا الازدحام والكره. لكن ما أدريه حقاً بعد كل هذا النشح أن حرب كسب القلوب لم يربحها أحد. حربنا . حربكِ. حربهم. حرب كسر الخواطر يبدو أنها لن تنتهي اليوم.
سناك سوري – شاهر جوهر
فالسلاح هنا متوفر أكثر من الخبز. والعقول نادرة كالخير في قلوبنا يا عزيزتي والدين بات رخيصاً يلاك ويشترى ويباع بأيدي أجهل الناس. فمن الذي سيوقف هذه الحرب إذاً.
آه عائشة
تجار المخدرات والسلاح والعسكر ورجال السياسة ورجال الدين ومن اعتاش في جلبابهم طوال تلك السنوات هم فقط من ربح هذه الحرب. ليس أنا في هذه القرية المعارضة الغارقة بالرصاص والنار ولا رفاق لي في عاصمتهم الموالية العائمة بالخراب. ولا حتى “ديار” الجندي الذي انشق باسم الحب ★ ذاك الذي كنتِ حربه و حبه على الدوام.
أحببت كل ما قاله عنكِ. كما أحببت عيناه المبللتان باشتياقه لكِ. ولازلت أردد كلماته وأغانيه عنكِ. ولازال الجميع هنا يذكر معي حب هذا الشاب الغريب لصبية لا يعرفوا إلا أن اسمها عائشة. ينتظرك هناك كل يوم وأعلم أنكِ كنت تنتظريه وقد التهم الشوق وجهيكما. وربما تغني له ليأتي مثلما يغني لكِ هنا بشوق راعف للقاء.
حين أتذكر حبكما أدرك كم أن هذا العالم ليس جيداً كفاية يا عائشة. كم أنه خليط من الكذب والكره والدناءة. فالكل هنا بعد الحرب يمارس الشماته والحقد والحسد على كل شيء. على الابتسامة وعلى الضحك وحتى على وجع الحب. لذلك تم خداعكما بمهارة يا عائشة. وخسرنا جميعاً كل شيء حتى تعرضنا لكل تلك الانكسارات وخسرنا من نحب.
قالوا هذه الحرب شيء مؤقت وستنتهي. قد تستمر لسنة. لسبع سنوات. وربما لعشر . لكن في النهاية يبدو أننا وحدنا من انتهى.
عزيزتي عائشة
حين شاهت الوجوه لم أرَ وجهاً أكثر صدقاً واخلاصاً من وجهه. فلكم تحدث عنكِ بيننا. ولكم استهزؤا به. جميعهم كفر بشيء. إلا هو آمن بمن أحب . آمن بك فقطِ.
وفي تلك الليلة كان وجهه يحكي كمن يجهز نفسه لآخر الحروب. شمتوا به بوجع. وكنت أرى في عيناه انكسار من أحب. ولسان حاله يقول للجميع بلغة لم يفهمها أحد “لا تشمتوا بمحب. ولا تشمتوا بغريب. فكلاهما ميتان”.
في تلك الليلة . كانت روحه رقيقة جداً. و سهلة الكسر. لم يكن مزاج مسائي يندر حدوثه. لكن كل من عرفه خمّن على إثره أنكِ السبب.
في تلك الليلة كانت آخر أغانيه لكِ ولنا. سمعته يغني بين رفاقه بلكنة كردية جميلة وحنين إلى بلده “عامودا” ويجهش في البكاء بصوت تتقطع له نياط القلوب . والكل في جوقة حزينة يردد خلفه:
اقرأ أيضاً : حين أصبح “الفقر” رجلاً لجأ إلى ألمانيا!
عايشة كِلْ سهرتي
قومي روحي نامي
أي لي لي يار عايشة
مو نام ومو نام ضلالي
إلا أن تكون في أحضاني
آه لي لي يار عائشة
ضلالتي لا تنسيني
مالي غيركي ضلالة
ضلالتي دي حبيني
و صوتكي الحلو سمعيني
فعيونكي دي حطيني
آخ لي لي عايشة
وعلى ضو القمر
بكرا ليلة فرحتنا
اخ لي لي عايشة
ومن المسا للصبح
خدود حمر بسناها
آي لي لي عايشة
و تهرّب محبوبتي
واروح لعامودا
آه لي لي عايشة لي
____________________
★ في أيلول من العام 2014 تقدم “ديار” المجند في اللواء 61 في ريف درعا الغربي بطلب اجازة لضابط قطعته العسكرية حتى يتمكن من زيارة أهله في بلدة عامودا في شمال البلاد. حيث كان من المقرر أن يتقدم لخطبة عائشة. لكن حين قوبل طلبه بالرفض وتقطعت به السبل ترك بندقيته. كما غادر قطعته والتجأ الى مجموعة تتبع للجيش الحر في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة. كما وحين اشتد الصراع في الجنوب بين الحكومة والمعارضة نهاية العام 2014 رفض حمل السلاح ضد الحكومة. لكن بعد تلك الليلة استيقظ رفاقه وقد ترك رسالة يقول فيها إنه ذهب ليرى عائشة. ليكون الجندي الذي انشق مرتين باسم نفس الحب. لكن في النهاية ألقت الحكومة القبض عليه في الطريق بين السويداء ودرعا. ومذ ذاك اليوم لم يعرف عنه شيء.