في أرواد روّج للسياحة من دون بنية سياحية… يعني صلوا على النبي قبل ما يجي الصبي!
سناك سوري – نورس علي
تعاني “أرواد” الجزيرة السورية الوحيدة المأهولة بالسكان والمصنفة حكومياً بالسياحية، من سوء الخدمات الاجتماعية والصحية والسياحية المقدمة لها، بحسب واقعها الذي فصله وفنده أبناؤها المتحسرين على واقع ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان زوارها بالمئات يومياً، مشكلين رخاءً اقتصادياً شمل الجميع، مادفع سائقي المراكب لإعفاء أهالي الجزيرة آنذاك من أجور النقل اليومية.
رئيس البلدية “محمد جمال بصو” وخلال حديث مع سناك سوري تمنى على الجهات المعنية المباشرة بتجهيز الخدمات السياحية التي وعدت الحكومة بها في أكثر من زيارة رسمية، وتجهيز البنى التحتية للخدمات السياحية، ومنها الفندق المرصود إنشاؤه في الجهة الجنوبية التي تحولت وفق عقود سياحية فاشلة إلى خربة مهجورة، كما تمنى الإسراع بالعمل قبل عودة فصل الصيف القادم على عجل، لأن بناءه سيحيي المنطقة ويجملها.
وأضاف: «سكان المنازل في الموقع المرصود للفندق خرجوا منها إلى سكن آخر مأجور في منطقة “بصيرة”، ونتيجة معارضتهم للمشروع حينها لم يقبضوا تعويضاتهم المالية، واليوم وبعد مضي أكثر من خمسة عشرة عاماً فقدوا حق الاعتراض وفقدوا تعويضاتهم المالية وعادوا صفر اليدين وعادت الأموال لخزينة الدولة». يعني لا طالوا عنب اليمن ولا بلح الشام والمصاري رجعت سالمة غانمة للخزينة.
أما مختار جزيرة أرواد “خالد بصو” الذي تحسر على فترة الثمانينيات وازدهارها بالنسبة لأبناء الجزيرة، قال: «ضمن المخطط التنظيمي الجديد للجزيرة، تم تغيير الصفة التنظيمية لبعض المنازل ذات الطابع الأثري، فتحولت لمطاعم ومتاحف ومراكز استقبال، وذلك بهدف توظيف تلك المنازل لتخدم الحالة السياحية المرتقبة، حيث يقع استثمارها بصفتها الجديدة على عاتق مالكيها إن رغبوا».
يعني استثمار سياحي من جهة وعقبات اجتماعية من جهة أخرى كما قال المختار “بصو” وتابع بسؤال وتمني فقال: «هل يحق لمن تغيرت الصفة التنظيمية لمنزله وفق المخطط الجديد، الحصول على سكن بديل ضمن المقاسم السكنية التي ستشاد في الجزيرة، ليتمكن من العمل بمنشأته السياحية وفق توصيفها الجديد؟».
ولم ينسى المختار أن يزف خبراً قد يُسر له الأهالي، فقال: «المشاريع السياحية المطروحة للجزيرة هامة جداً، وقد تدر أموالاً كثيرة لها، ولكن ما يهمني كممثل عن المجتمع المحلي ألا يتضرر الأهالي منها، علماً أن الوعود من الجهات المعنية تقول إنه لا يوجد أدنى ضرر للأرواديين، حتى أن بعضهم سيحصل على سكن بديل أو سكن آخر مأجور».
إقرأ أيضاً بعد إهمالها لعقود الحكومة تقرر الاهتمام بجزيرة أرواد
بنى تحتية تحتاج إلى إعادة هيكلية
بالنسبة لمراكب النقل أحد أهم البنى التحتية السياحية، ووسيلة النقل الوحيدة للأهالي، فيجب إعادة النظر بتعرفة ركوبها، لأنها غير موحدة كما حدثنا “وليد الشيخ” من أهالي الجزيرة، كما أنه يمكن أن ينتظر الراكب حوالي ساعتين ليمتلئ المركب، ويتمكن من الإبحار، ويتابع: «إن كان الزائر للجزيرة لا يعلم تعرفة الركوب، قد يدفع مبلغاً مضاعفا للتعرفة الأساسية، وهي 200 ليرة، وإن كان يعلم فلن يدفع أكثر منها، وحجج السائقين هنا كثيرة، منها ارتفاع أسعار المحروقات، وزيادة أجور الصيانة، وغلاء المعيشة وغيرها الكثير، علماً أن كمية المازوت التي يستهلكها المركب في كل رحلة لا تتجاوز السبع ليترات».
واقع المياه ليس أفضل
في الجزيرة نبع مياه عذب وحيد، ويكاد يشكل ظاهرة فريدة يمكن أن تجذب الكثير من السياح لو وظف بالشكل الأمثل والمتميز والجاذب، حيث تقدر غزارته بحوالي 8 إنش غير مستثمرة، وتذهب هدراً في البحر، علماً أنه في بعض أوقات الصيف تنقطع مياه الشرب الرئيسية عن الجزيرة لعدة أيام، والسؤال هنا لماذا لا تستثمر المياه المهدورة رغم وجود شبكة نقل مياه خاصة بها موصولة لمختلف الأحياء والأزقة، بحسب حديث الشاب “محمد جمعة” من أهالي الجزيرة.
وفيما يخص الصرف الصحي الذي يقرف كل زائر وساكن وسيكون قنبلة موقوتة حين الانفجار إن لم يتم تداركه وإعادة هيكليته، يقول “جمعة”: «شبكة الصرف الصحي في الجزيرة مهترئة، وقد غمرت مياهها الملوثة العديد من المنازل في العام الماضي، وكنوع من الصيانة تم إعادة تبليط الشوارع والأحياء فوقها، لتبقى مغمورة في الأرض دون صيانة، وهذا حل غير مجدي مع مرور الوقت، حيث تظهر المشاكل بين حين وآخر على شكل كوارث دفعت العديد من الأهالي لنقل السكن إلى مدينة “طرطوس”».
واللافت والمعيب أيضاً مظهر شبكات الهاتف والكهرباء التي أول ما تظهر جلية واضحة لكل زائر وساكن، منتشرة بين الأحياء والأزقة التي تغنت الحكومة بجمالها وأهمية توظيفها سياحياً، وهنا قال “محمد جمعة”: «مع تبليط الأحياء والأزقة لعدة مرات فوق بعضها البعض، ارتفع منسوب الأرض، وأصبحت الشبكات الكهربائية والهاتفية الهوائية المنتشرة بشكل مقرف على جدران الأحياء والأزقة، أصبحت قريبة من متناول الأطفال والكبار على حد سواء، مما يعرضهم للخطر في كل لحظة».
وبالنسبة للخدمات الصحية فهي حكاية أخرى يفرد لها ملف طويل عريض، حيث يقول الشاب “حسن جمعة” من أهالي الجزيرة أن ضعف الخدمات أفقد الأهالي ثقتهم بالحياة حين النوائب، وأضاف: «رغم وجود مستوصف، ومشفى توليد مجهزين بأفضل التجهيزات وأضخم الكوادر وأجدرها، إلا أن الالتزام بالدوام فيهما غائب تماماً، فلا يمكن أن نرى باب أي منهما مفتوحا بعد الساعة الواحدة، بحكم أن القائمين على أعمالهما من خارج الجزيرة، ويتحينون الوقت للعودة الآمنة إلى منازلهم نتيجة تقلب أحوال الطقس، والوقت الطويل الذي ينتظرونه خلال رحلة التنقل من وإلى الجزيرة، وهذا أثر سلباً على جودة الخدمات الطبية المقدمة.
وأذكر أنه منذ فترة توفي شخص بأزمة قلبية لغياب الإسعافات الأولية التي كانت قد أنقذت حياته لو وجدت على الجزيرة، ومطلبنا هنا تطبيق نظام مناوبة للحالات الحرجة».
إقرأ أيضاً الأمطار تُغرق مدينة طرطوس … هل حقاً أخليت جزيرة أرواد؟
جولة ومتابعة
في تتمة الجولة الأروادية حاولنا البحث عن جانب مشرق فيها لتسليط الضوء عليه في هذه الجزيرة السياحية إلا أننا عبثاً لم نجد إلا البلاوي التي غابت عن الإعلام وعن المعنيين خلال العقود الماضية، والأزمات في هذه الجزيرة تمتد إلى الأبنية المدرسية التي قال عنها “جمعة” وهو من القيادات المجتمعية: «أكبر كارثة في الجزيرة، الأبنية المدرسية المهددة بالسقوط على رؤوس الطلاب، وخير مثال عليها أن بعض قاعات الطابق الثاني في المدرسة بجانب المشفى يتساقط سقفها بشكل مستمر لسوء تنفيذها باعتقادي.
وعندما تكون الأحوال الجوية عاصفة ورعدية، تخلى من الطلاب لأنها مهددة بالسقوط، كما حدث عدة مرات، وتلطفت السماء بطلابها، حتى أن هيكلها الخارجي يصف ما آلت إليه من اهتراء، فالتسليح المعدني فيها ظاهر ويتهالك دوماً، وقد قدمت شكاوى عدة للمحافظ، ووعد بتشكيل لجان لدراسة واقعها، ومازلنا بانتظارها».
ولم نتوقف هنا، فعلى مسار طريقنا، زرنا الفرن البلدي المستثمر من قبل “تيسير طه”، بعد حديث “سناء عبدو” من أهالي الجزيرة، شكت خلاله سوء النظافة فيه، وبناءه المتهالك، والرغيف غير الصحي، وأضافت: «وزن ربطة الخبز 1650 غرام، وسعرها 100 ليرة، والرغيف معجن في أغلب الأوقات وصغير، ناهيك عن انعدام النظافة والرائحة النتنة التي نشتمها عند زيارة الفرن، حتى أن أكياس الطحين تغطيها الزيوت الصناعية، ومع هذا نحن مضطرون لشراء هذه الخبز الرديء، وإلا سنحرم منه في أوقات العواصف، ومنع الإبحار لطرطوس، والقصد هنا تحسين واقع الرغيف ودعمه حكومياً ليكون مناسب لمستهلكيه البشريين».
وعن هذا الواقع المتردي للفرن حاول “عثمان بربر” (الناطق باسم المستثمر) “تيسير” تحسين الدفاع قائلاً: «بناء الفرن متهالك ويحتاج إلى صيانة، وقد طالبنا البلدية أكثر من مرة بهذا الأمر، ولكن دون جدوى، والأمر الثاني أن تكلفة نقل 100 كيس طحين من مستودعاتها الرسمية في “طرطوس” إلى الجزيرة تبلغ حوالي خمسة وثلاثين ألف ليرة، تضاف إليها أجور نقل المازوت والخميرة، وهي تكاليف تضاف بمجملها إلى ثمن الربطة لتصبح 100 ليرة، علماً أن ثمنها التمويني هو 75 ليرة».
“أرواد” جزيرة السوريين الوحيدة التي يحلمون بزيارتها، تنتظر قرارات أكثر فاعلية على الأرض، وليس مجرد حفلات استعراضية كالتي قام بها الوفد الوزاري الذي زار طرطوس قبل فترة.