أخر الأخبارالرئيسيةفن

التراث الحمصي .. ولد على ضفاف العاصي ووثّقته الدواوين ورقصات الشيخاني

نزاع فني على التراث .. القدود حمصية ولا حلبية؟

عبر جلسات وسهرات منازل الوجهاء، أو على ضفاف العاصي، حرص الأهالي على تقديم التراث الحمصي الغنائي. الذي صدّر للعالم قدوداً عادت شهرتها لتنسب إلى “حلب”.

سناك سوري _ ناديا المير محمود

وفي ظل غياب وسائل حفظ التراث الحمصي قبل القرن العشرين. وثّق الحمصيون تراث مدينتهم عبر مصدرين هما ديوان الشيخ “أمين الجندي” المطبوع بين عامي 1900 و1903، الذي ضمّ القدود المكتوبة بلغة جزلة فصيحة. إضافة إلى كتاب “أعلام الأدب والفن” الذي أعدّه “أدهم آل الجندي” سنة 1954 وورد فيه  الكثير من تفاصيل القدود وروادها.

بدوره تحدث الفنان وعازف العود الحمصي “أمين رومية” لـ سناك سوري، عن مميزات الأغنية الحمصية وبعض من تفاصيلها وأنواعها. التي اتسمت بالبساطة والابتعاد عن التعقيد بجملها اللحنية، وقام روادها بنقلها بشكل شفهي للحفاظ عليها.

وتنوعها بين الأغاني الشعبية التي تخص مناسبات اجتماعية كالأفراح والأعياد، إضافة لأنواع أخرى كـ”المصدّر”، “المعنّى”، مع ما وردهم من “مصر” كالموشحات والطقطوقة، استقطبها العازفون ممن زاروا “أم الدنيا” خلال عملهم.

مقالات ذات صلة

المعنّى الحمصي.. صراع بين الفتاة البيضاء والسمراء

يشتهر “الحماصنة” وفق ما يقال عنهم باللهجة المحكية بالظرافة، وهي سمة شهدت لهم بها بقية المحافظات السورية. وهي بادية عبر واحد من الأنماط الغنائية الخاصة بالمدينة والمعروفة باسم “المعنّى الحمصي”.

«اسمعوا قول المعنى عالسمر والبيض غنى» بتلك العبارة يبدأ تقديم ذلك القالب الغنائي، المؤلف من فريقين أصحاب الأصوات الجميلة. وعلى شكل محاورة غنائية يبدأ أحد أفراد الأول التغني بجمال الفتاة البيضاء، ويأتيه جواب من نظيره بالثاني، يروي فيه عن محاسن السمراء ومميزاتها.

وضمن صراع غنائي جميل ومستحب تتصاعد فيه وتيرة الدفاع عن السمراء والبيضاء، يتدخل بعض الحاضرين لفض ذلك النزاع اللطيف. ونشر الصلح مابين الفريقين وترديد عبارة «فضحتونا حاجتنا نعلق، تعا نتصالح أحسن إلنا».

إلا أن قسم آخر لا يروق له حلّه، ويسعى إلى استمرار ذلك الخلاف طمعاً بالمزيد من الجرع الغنائية الماثلة أمامهم. إلا أن الصلح سيد الأحكام، ويتعانق الفريقان ويبدآن معاً بالغناء للسمر والبيض، وختمها بعبارة «فرطت بينهم واتصالحنا».

سهرة حمصية قديمة _ انترنت

القدود التي وصلت للعالم.. موجودة في “حمص”

خلال عام 2021 أدرجت منظمة “اليونسكو” القدود ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. الفن الذي نشأ بالأندلس، وانتقل بعدها إلى بلاد الشام، خصوصاً في مدينتي حمص وحلب. إذ تتنازع المدينتان حتى اليوم على نسب القدود إليها في الأصل لا سيما بعدما اشتهرت بها “حلب” وغابت عن “حمص” دون أن يحسم صراع المنشأ بعد.

وكان ابن مدينة “حمص” الشيخ الراحل “أمين الجندي” من مؤلفيها الأوائل ووثّقها بديوانه، وتناقلها عنه مطربو المدينة. كما تعزز  انتشارها في “حلب”، حيث قام فنانو عاصمة الشمال بنشرها للعالمية أمثال الراحلين “صبري مدلل” و”صباح فخري” والكثير غيرهم، حسب ماذكر “رومية” لسناك سوري.

الشيخ الراحل أمين الجندي _ كتاب أعلام الأدب والفن

الموال السبعاوي حاضر في رقصة الشيخاني الحمصية

تميز التراث الغنائي الحمصي بتقديم الموال السبعاوي، المؤلف من 7 أشطر. حيث يكون الشطر الأول والثاني والثالث والسابع على قافية واحدة، أما الرابع والخامس والسادس على قافية أخرى.

ونظّمه عدد من شعراء المدينة أبرزهم “نظير بطيخ”، “سليم قطان”، “مطانوس تقلا” و”أبو صالح وفائي”. وبصوته كان “ياسر السيد” المشهور بـ”ياسر المظلوم” خير من قدّمه خلال حفلاته وفي “العرس الحمصي”.

التراث الحمصي
رقصة الشيخاني _ يوتيوب

كما كان الموال السبعاوي حاضراً في “رقصة الشيخاني”، التي يؤديها شخصان يقفان مقابل بعضهما. يرتديان الزي الحمصي المتمثل بـ”الشروال”، مع قميص يعتليه “الصدرية” أو ما يُمسى “الدامر” وهو قميص قصير مفتوح من الأمام مطرز بالألوان. مع لف الخصر بالشال أو الشملة المزخرفة بخيوط حريرية وقطنية.

كما ينتعل الراقصون مايسمى بـ”الكسرية” وهي نوع من الأحذية، مدببة من الأمام، لاستكمال الشكل العام للراقص وخصوصيته. مع وضع عصبة على الرأس تشبه العمامة، ولكن يتم لفها بشكل خاص، إضافة إلى المحارم التي يحملها الراقصان، المصنوعة من القماش الأبيض المجدول الأبيض.

يامن بنودك حرير الهند أو شالي…من بعد فيض البحر هل ترضيك أوشالي

الواشي الوشالي عليك أوشى لي… ارحم محباً يحبك من أيام الصبا

صعب عليّ فرقتك قلبي لربعك صبا…لو يمكن وسار يمك مع نسيم الصبا

ماهو مبالي حط الصبا أو شالي

موال سبعاوي للشاعر “مطانيوس تقلا”

 

وبرفقة الأغاني الشعبية، يقوم المطرب بأداء شطر من الموال السبعاوي. والفرقة تؤدي مقطعاً من الأغنية، إذ يتم الدمج بينهما. مستعرضين صورة غنائية راقصة تعكس تقاليد وأعراف مدينتهم.

خصوصية الأغنية الحمصية، ومن الذي وقف بطريق طموح روادها

بالعودة إلى تاريخ “حمص”، أشار “رومية” إلى أن الظروف التي مرت بها، نتيجة الاحتلال العثماني ومن بعده الفرنسي. جعلها تدور بفلك المجتمعات المُحافظة، الأمر الذي وقف بطريق محبي الغناء والموسيقى بالمدينة ومنع الغالبية تجاوز حدودها. فلم يكن مقبول اجتماعياً أن يمارس الشخص الغناء أو التلحين، ما انعكس على نشاطهم الفني قياساً بباقي المناطق السورية.

وحول ما إذا كان المتوفر منها له سمة معينة عن أغاني المدن الأخرى، نوّه “رومية” أنها بالعموم شبيهة لهم ولأغاني بلاد الشام بالعموم. ويكمن الاختلاف ربما بالموضوعات، أما الألحان تكاد تكون ذاتها، ورغم ذلك فإن كل منطقة في “حمص” لها خصوصية حسب طبيعتها.

وذكر “رومية” لـ سناك سوري عدداً من أسماء شعراء “حمص” منهم “أمين الجندي”، “أبو الخير الجندي”، “خالد الشلبي”، “رفيق فاخوري”.  وبالنسبة للملحنين لا يوجد من شاع اسمه على مستوى البلاد أو خارجها وفق حديثه، ويُنسب للفنان الراحل “نجيب زين الدين” بعض الألحان دون توثيق واضح كأغنية “تعا لعندي يانور عيوني”. ومثله “محمد الشاويش” الذي لحّن عدداً من القصائد وغناها بصوته.

العازف محمد عبد الكريم _ كتاب أعلام الأدب والفن

ويعتبر “محمد عبد الكريم” المعروف بـ”أمير البزق”، العازف الحمصي الوحيد، الذي انتشر اسمه على صعيد محلي وعربي ووصل للعالمية. وعزف على مسارح عدة مدن إيطالية كـ “روما” و “ميلانو” و “نابولي”.

تجدر الإشارة إلى أن عام 1930 شهد حفلاً فنياً أحيته كوكب الشرق “أم كلثوم” في مدينة “حمص” على مسرح مقهى “الروضة“. خلال جولة فنية لها بالمنطقة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى