الرئيسيةشباب ومجتمع

قصة زوجة عمي مع حبيب الكلب – عفراء بهلولي

هل تمتلكون مثل هذه التفاصيل في مجتمعكم؟

سناك سوري – عفراء بهلولي

تقول أمي دائما «مفكرة ولاد العالم متربايين متل اخواتك» كنوع من تحذيري بألا أثق بأحد، ولطالما امتعضتُ من هذا الأسلوب في تقييم علاقاتي بأصدقائي، وكثيراً ما انتهزت أي فرصة لأظهر لأمي أن “أولاد العالم كمان متربايين”، بالمقابل عندما يغضب أبي يقول «ولاد العالم متربايين أكتر منكم» فأجيبه بببرود «عأساس أنت شايف ترباية ولاد كل العالم وعاملن مسح».

غريب أمرنا نحن البشر باستطاعتنا خلق مفاهيم وتفصيلها على مقاسنا، فكل من أقابلهم يقدمون أنفسهم على أنهم “طيبون، كويسين، أوادم، نزيهين، ما بيعرفوا الغش” ويمتازون بالشفافية، وأنقياء أتقياء، وقلوبهم مثل الأطفال، وكنت أتساءل إذا كلنا طيبين وين الأشرار!؟… والمضحك في حالتنا نحن أبناء هذا الشرق (الجميل) أننا نفسر أي شيء لمصلحتنا الشخصية ونقصد به أنفسنا لا الآخرين.

كان لي زوجة عم لسانها حاد كالمبرد تستطيع تقييم أي حدث حتى لو كان موقعه الفضاء، وإن تهور أحد وقرر أن يبدي رأياً مغايراً ستجدها عقدت حاجبيها وتجهم وجهها وتبدأ شرارة النار تقدح من عيونها.. كنت أستمتع في إغاظتها وكانت تجن لأنها أكبر مني، وفوق ذلك هي زوجة عمي والعادات تحكم أن أسكت وأوافق من دون نقاش على ماتقوله.

مقالات ذات صلة

زوجة عمي كانت تثور ثائرتها عندما تذكر اسم ابن عمها “حبيب”، فلطالما كرهته بالعلن ودون أي حياء وإن أرادت التحدث عنه وضعت لازمة لا تفارق اسمه “حبيب الكلب” وأحيانا كانت تكتفي بذكر الكلب ليعرف الحاضرون أن المقصود حبيب.

في إحدى المرات، مرض “حبيب” ونُقل على أثر مرضه إلى مشفى المدينة لم تخفِ زوجة عمي سعادتها أمام الجميع، فهو الجاحد بحق والديه الذين أعطياه كل ما يملكون ليدرس وبقي 6 سنوات في “دمشق” واهماً إياهم أنه يدرس الطب ليعود خريجاً من كلية الآداب مدرساً للغة الفرنسية، وتتهمه زوجة عمي أنه كان سبباً لمرض عمَّها ووفاته وفقر حالهم.

تبرق عينا زوجة عمي وتقول “يمهل ولا يهمل” (في إشارة لله).. بالأخير مرض ورح يدفع تمن كذبه ونفاقه، لأن الله “مارح يسامحو”.. ولم توفر زوجة عمي فرصة لتعطي رأيها بأن الله انتقم منه وأنه سوف يلاقي العذاب مرتين في الأرض وفي السماء ومع كل المحاولات لردعها عن التشفي منه، ومحاولتي الشرح بأننا جميعاً قد يصيبنا المرض وأن الأطفال لا أغلاط لهم ولكن يمرضون، تصر هي على أنه عقاب رباني.

خرج “حبيب” بعد فترة من المستشفى إلى منزله وقد زارته زوجة عمي ليس حباً به ولا خجلاً من ألسنة أهل القرية، ولكن لتسمعه أن الله يُمهِل ولا يهمل، وأن العقاب سيأتي أكثر من مرة.

اقرأ أيضاً: حين ارتدت “سندريلا” السورية جزمة البلاستيك

بعد أقل من سنة مرض ابن عمي (ابنها) ودخل المشفى بسبب نزلة برد تحولت إلى التهاب رئوي حاد، كانت زوجة عمي حاضرة كأي أم ملهوفة على ابنها ولكن متيقظة لكل شيء!، وعندما خرج ابن عمي من المشفى وفي المرات التي كنا نسأل لنطمئن عنه كانت زوجة عمي تعتبر أن مرضه كرم من الله عليه فهو بهذا المرض يَغسل ذنوبه ويرتاح منها، وأن المرض “استفقاد من رب العالمين” لمن يحبه ليخلصه من ذنوبه قبل أن يتوفاه، وأنه كلما كان مرضك ثقيل فإنك تتخلص من أكبر ذنوبك، وعندما حاولت أن أذكرها بـ “حبيب” نظرت إلي بكل ثقة وقالت: «أنا بعرف شو مرباية ابني مرضي مو متل “حبيب الكلب” موّت أهله فقع وقهر».

ابن عمي هذا ذاته انتقل للعيش في “ألمانيا”، وهو متزوج من ألمانية وقد ترك شهادته الجامعية ليعمل في مطعم لأهل زوجته الألمانية، وزوجة عمي معجبة بكنتها ولا مانع أن ابنها تزوج من غير جنسيته أو دينه (هذا بالنسبة لها جريمة عند الآخرين)، وأنه ترك شهادته الجامعية ليعمل في مطعم (وهذا أيضاً جريمة على غير ولدها بالنسبة لها).

وعندما تجرأ أحدهم وقال لها أنه سمع من أهل القرية أن ابنها لا يُرسل لوالديه النقود ليعينهم على واقعهم المعيشي السيء بالرغم من أنهم باعوا الأرض ليهاجر، فتحت فمها كمدفعية وبدأت بالشتيمة لكل من يتحدث عن ابنها بسوء وقالت إن الأرض كانت حصته من الميراث وأنها لا تحتاج لنقود، وتضيف: «بنات ألمانيا بدهن مصروف خليه يجخ ع مرتو».

اليوم وبعد مضي سنوات طويلة على حكاية “حبيب” فهو يعطي الدروس الخصوصية للطلاب وقد تزوج ولديه من الأولاد 3، ومازالت زوجة عمي تصفه بالكلب الجاحد وتصف ابنها بالولد المرضي المطيع.

اقرأ أيضاً: على طريق الشام … عفراء بهلولي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى