الرئيسيةشباب ومجتمع

عيد البربارة.. طقوس إشعال النار في قرى الساحل السوري

في منافسة مناطقية شرسة.. وقفت أصارع ابن عمي بكرة النار!

كيف كنا نحتفل بعيد البربارة في الساحل السوري، من طقس إشعال النيران وحتى طبخة “الهريسة” اللذيذة، وكيف انقرضت هذه العادات اليوم لأسباب متعددة.

سناك سوري-داليا عبد الكريم

كانت نار الخديعة تعلو شيئاً فشيئاً بينما ترتسم على محيانا نحن مجموعة من الأطفال أكبرنا لم يتجاوز الـ13 من عمره، ابتسامة خبيثة. وأخرى تقول: «سنفوز هذا العام».

لا يعلم كثيرون أن قرى الساحل السوري تحيي عيد “البربارة” بطقوس مختلفة نوعاً ما عن تلك التي تشهدها المدن، حيث وفي صباح الـ16 من كانون الأول. تزور النيران آلاف المنازل تطهو عليها السيدات بمساعدة من الرجال طعام “الهريسة” أو “القمحية” التي تتكون من حنطة ولحم أو دجاج وكإضافة استراتيجية لابد من بعض السمن البلدي عند الاستواء. والسر في هذه الطبخة كما يقول أبي هو خفقها بقوة قبيل إنزالها عن الجمر.

طبخة البربارة

الطقس السابق مايزال حاضراً في غالبية الريف السوري اليوم، إلا أن البربارة فقدت طقساً كان أكثر جمالاً أقله لنا نحن الأطفال في تسعينيات القرن الماضي. حيث كنا نتبارى بإشعال النيران مع باقي الحارات، والغلبة في كل عام لمن تبقى ناره مشتعلة لوقت أطول، لكن الغلبة كانت دائماً للسماء!.

كان عمري عشر سنوات حينها، الطقس ماطر والبرد شديد، ومع إصرار أمي على عدم مغادرتي المنزل، كانت عيون أبي تخبرني بأنه سينقذني!.

-ستلبس طاقيتها وجزمة البلاستيك أيضاً.. يقول أبي محاولاً إقناع والدتي العنيدة جداً.

-والله بدك تنزع هالبنت بدلالك.. تقول أمي مشترطة عليّ ارتداء جزمة البلاستيك الزهرية.

لم أكن أحب ارتدائها أبداً، في كل عام تشتريها والدتي ومن ثم بعد محاولات فاشلة لإرغامي على انتعالها. تهديها لشقيقتي أو لبنت الجيران، لا ثأر لي مع هذا النوع من الأحذية، لكني لم أكن أحبه أبداً، ومع ذلك ارتديتها. كان هدفي الخروج من المنزل أولاً مع نية كبيرة بإحراق الجزمة خلال طقس إشعال النيران “ويا دار ما دخلك شر” ومنبطل “نق” الحض على ارتدائها!.

لقد سبقوني

لقد سبقوني، كان هذا أول ما يخطر في بالي عند رؤية أولاد القرية وقد تجمعوا في الساحة وأحضروا الحطب الذي تشاركنا بجمعه خلال الأسبوع ما قبل موعد البربارة. إلى جانب الحطب كان بعض أصحاب الحظوة منا ممن يمتلك والده جراراً أو سيارة زراعية أو دراجة نارية، يحضر معه عجلات قديمة وهي تساعد على الاشتعال وإبقاء النيران لمدة أطول. لقد كانت صدور أولئك الفتية والفتيات تنتفخ حد الانفجار اللحظي وهم يميطون اللثام عن كنزهم. بينما ينظر إليهم البقية بعين الفخر التي لا تخلو من بعض الحسد.

البعض الآخر كان قد حصل على ثروة أخرى، ما يعادل ليتر أو اثنين من المازوت، في الحقيقة باتت ثروة حقيقية اليوم. وربما كأي مواطن سوري أقول أسفي على الليترات التي أهدرناها في حرب مناطقية سخيفة نوعاً ما رغم عشقنا لها آنذاك.

-فلنبدأ إشعال النيران

-كلا فلننتظرهم هم أن يبدأوا

كانت المعركة تدور بيننا نحن أطفال حارة “نغبين” وبين أطفال حارة “الراس” وكلتا الحارتين موجودتان بقرية “سربيون” في ريف “جبلة”.

أنا الحالمة منذ طفولتي، كنت دائمة البحث عن الأفكار بوصفها السبيل للخروج من كافة المآزق، بالفكر لا بالعضلات. وبمكر شديد عرضت عليهم أن نشعل ناراً خفيفة وننضحي ببعض الحطب. فنوهم “الأشقاء الأعداء” بأننا بدأنا وبعد أن يشعلوا نارهم ببعض الوقت نشعل نارنا الحقيقية.

الحرب خدعة

الحرب خدعة، وكل شيء فيها مباح، والفكرة راقت لهم وقد نفذناها مع بعض الشك، بعد ذلك كان ينطلق الهتاف، بالحقيقة كان عبارة عن كلمات نابية لا تشبه طبيعتنا القروية الجميلة. وعلى بذاءة المفردات المستخدمة في الحرب والتي لا سبيل لذكرها الآن. إلا أنها كانت شيئاً محببا لنا، هي الحرب ولا نستطيع أن نقول فيها، من فضلك أريد أن أشتمك!.

نحول المساء إلى قنبلة، ينهزم أمام إصرارنا البرد الشديد، لكنها الأمطار التي لا نريدها، تهطل في الوقت غير المناسب أبداً، قطرة، قطرتان. تزداد وتيرتها وهنا لا سبيل للبقاء حتى النار ستنهزم أمامها لاحقاً.

طوال السنين التي شاركت في بعضها وقدت في بعضها الآخر المجموعة القتالية المؤلفة منا نحن الأطفال، لا أذكر أن أحدنا قد فاز. لقد كان المطر دائماً يقول كلمته ويطفئ نارنا ونارهم، وفي صباح اليوم التالي على مقاعد الدراسة نتوهم الفوز، ويذهب كل واحد منا منتشياً بفوز لم يحدث أبداً.

في نهاية قصتي كل بربارة وأنتم بألف خير، وعيد القديسة “بربارة” هو عيد مسيحي لكنه تحول إلى عيد محلي في الساحل السوري يحتفلون فيه من مختلف الأديان. وكذلك مختلف الطوائف المسيحية مع بعض الاختلافات في الأيام، فهناك من يحتفل في 4 ومن يحتفل في 16 ومن يحتفل في 17 كانون الأول من كل عام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى