الانحراف لا يفسد عدالة الكفاح .. لينا ديوب
عن النساء السوريات وقضاياهن وأولوياتهن

كثيرة هي الانتقادات التي تعرضت لها طريقة مشاركة النساء ليس بالحراك السوري، وإنما بطريقة العمل على هامشه بدايةً ومن ثم البقاء في قالب عمل لم يتغير مع ما استجد من تطورات.
سناك سوري – لينا ديوب
بدأت تلك الانتقادات من العام الثالث بعد تركيز الأمم المتحدة على السوريات في الخارج، وتبنيها لمبادراتهن ومواقفهن، ثم تدرجت إلى أن وصلت إلى اتهامهن بالانفصال عن القضية السورية برمتها، وليس قضية المرأة فقط، ويمكن ملاحظة هذا في التعليقات على المؤتمرات وعلى المجلس الاستشاري النسائي.
كم يبدو مجحفا أن نقلل من أهمية محاولة النساء تنظيم أنفسهن، ليكن لهن دور في تحديد مصير البلاد ورسم مستقبلها، لكن لا بأس من وقفة مراجعة تشير إلى انحراف المسار.
ربما كان للعناوين التي طرحت للأنشطة والورشات والمؤتمرات تأثير سلبي، لأنها لا تنسجم مع الواقع القاسي والصعب الذي تعيشه جموع النساء في الداخل والخارج، على الأرض عنف مركب ومعاناة مع التهجير والنزوح، والعناوين في المقابل عن دور في صنع السلام، أو جندرة الدستور وجندرة العدالة الانتقالية، مما وضع تلك العناوين في دائرة الانتقاد والابتعاد عن الأولويات ودفع البعض لوصف العمل النسوي ذاك بالنضال بتمويل خارجي.
اقرأ أيضاً: مؤتمر النساء السوريات… السياسة على حساب المصلحة النسائية
في وقت مبكر ومنذ سنة 2014، بدأت المدعوات إلى المؤتمرات وورشات العمل من سكان المخيمات ومراكز الإقامة المؤقتة بالتعبير عن عدم ملامسة ما يطرح لآلامهن وجراحهن، وما استجد على معاناتهن القديمة قبل الحرب من أعباء وآلام إضافية، وهذا مشترك بين ما يتم تصنفيه معارضة وموالاة.
في أحد المؤتمرات بالأشهر القليلة الماضية عن تفعيل قرار الأمم المتحدة 1325 الذي ينص على أهمية مشاركة المرأة المتكافئة والكاملة كعنصر فاعل في منع نشوب النزاعات وإيجاد حل لها، وفي مفاوضات السلام، وبناء السلام وحفظه، سألت سيدة نازحة في لبنان من الزبداني، ما الفائدة من التدريب على خطة وطنية لتنفيذ القرار، وآثار المعارك والحصار تفرض نفسها على من بقي من نساء في الداخل، وتضيف أشعر بالذنب أنني أقيم في فندق مريح وقريباتي يواجهن خطر الموت والجوع.
وتسخر سيدة أخرى بمرارة من كلمة “جندر” وتقول: «يتم “دحشها” بكل شيء لا لتحقيق العدالة بل ليلقى نشاط هذه النخبة النسائية القبول من الخارج»، وتضيف: «ماتت قريبتي على قبر أختها قهرا والتي قضت في مجازر ريف اللاذقية، وعثر على جثة جارتي الناجية من الخطف في أحراش قريتها بعد أن رفضها كل من أهلها وزوجها، إن كانت مؤتمراتكم ستنصفهن مرحباً بها».
اقرأ أيضاً: عالحاجز حديث حول الجنس والجندر
إن مواقف هاتين السيدتين مع غيرهما تدل على خلل ما أو فجوة بين ما هو على الأرض وبين ما يدور في البرامج النسوية، تذكرنا تعليقات السيدات بما انتشر من مقالات تنتقد المجلس الاستشاري ومؤتمرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، و ظهور جمعيات ومؤسسات لم يسبق لمؤسسيها ومؤسساتها أن عملن في حقل النسوية، ويجمع تلك المقالات نقاط مشتركة، منها أن طريقة العمل تلك كرست نخبة نسائية تتلاعب بها بعلم أو من دون علم الجهات الخارجية مع بعض الاستثناءات، وهذه النخبة لا تمثل النساء صاحبات المعاناة وانما تيارات سياسية متنازعة ومتصارعة، بالإضافة إلى علامات الاستفهام في تلك المقالات عن طريقة اختيار شخصيات بعينها.
إن كل ما ذكرته وغيره الكثير مما لم يذكر، لا يدفعنا إلى إنكار أهمية تنظيم العمل النسوي، شرط أن لا ينحرف لتشكيل جهة سياسية، بل الحرص على تطوير التضامن والتمكين الذاتي المتبادل بين النساء، وهذا التضامن الذي نلمسه عند المتضررات فعلاً وفي الدوائر الضيقة من عائلاتهن وأبنائهن عندما يبدين استعداداً للمسامحة والمصالحة، على أمل وقف العنف، والبداية من جديد بما هو أفضل لمن بقي، في وقت تتبنى به النخبويات مواقف الحرب نفسها، رغم أن العنف الذي خبرناه خلال السنوات الماضية غير انساني وليس له جنس.
أمام النخب النسوية اليوم تحدي بالانتماء إلى جمهور النساء العريض، والعيش بينهن وليس على شعارات المطالبة برفع معاناتهن، وهذا يتطلب طريقة عمل مختلفة تنطلق من احتياجاتهن الحقيقية، التي يمنع الوصول اليها التخلف الاجتماعي، والقصور القانوني، والوضع المعيشي المتردي، إما مجتمعين أو منفصلين.
اقرأ أيضاً: لماذا يجري ديميستورا تبديلات في المجلس الاستشاري النسائي؟