الاكتفاء الذاتي المحلي (1)
الاكتفاء الذاتي المحلي (1)
سناك سوري – مازن بلال
تقدم حالة الوضع المعيشي في سورية مفارقة على مستويين؛ حيث تظهر الأولى تحت قبة مجلس الشعب وبحضور أعضاء الحكومة الذين يتلقون شكاوى، أو حتى يلامسون مساحة باتت واضحة للجميع، فالحرب لا تتيح عمليا إنتاج حلول اعتاد الشعب عليها طوال عقود مضت، وفي المقابل فإن انتقاد الحكومة أصبح هدفا بحد ذاته في ظل عدم القدرة على تلمس مسارات ناجعة للواقع الاقتصادي.
أما السوية الثانية فتظهر في الفلاشات الإعلامية حول الفساد الذي يحمله البعض كل هموم الحاضر، رغم أنه هامش يتسع أو يضيق وفق قدرة المجتمع بالدرجة الأولى على صياغة علاقات اقتصادية منتجة، وبغض النظر عن التناول اليوم لمسائل الفساد لكنه في النهاية بالرقابة الحكومية فقط، ولا يمكن أيضا إنتاج واقع معيشي عبر الإجراءات الرسمية، لأن حلول هذه الأزمات هي “عملية” وليست قرارا حكوميا، وهي تبدأ من المجتمع بالدرجة الأولى وليس من جهاز الدولة.
البداية الطبيعية هي الإقرار العام بأن مفهوم “دولة الرفاه” الذي ساد منذ خمسينيات القرن الماضي؛ لم يعد ممكنا على المستوى الدولي، وهو شبه مستحيل في سورية التي تخوض حربا عسكرية – اقتصادية، فالدعم الحكومي الذي كان حقا مكتسبا للمواطن، أصبح مهمة اجتماعية تلعب فيها السياسات الحكومية دور اكساب الشرعية للعلاقات الاقتصادية الجديدة، فالدعم الحقيقي يتضح اتاحة الفرص أمام المجتمع تغيير سلوكيات علاقاته الاقتصادية.
عمليا نحن أمام مرحلة تنموية بمعنى خاص جدا تتطلب البحث عن “الاكتفاء الذاتي المحلي”، وهي تمثل بداية للتحول في العلاقات الاقتصادية الاجتماعية، وهذا الاكتفاء ليس تكيفا مع الأزمة بل محاولة لخلق نقطة إنتاج نوعي لا تعتمد على انتظار الدعم الحكومي المباشر، بل جعله عاملا مساعدا لإنتاج الحلول، ففي مجلس الشعب لم تعد مسائل الشكوى مجدية طالما أن الأطراف لا تملك الممكنات، وفي الفساد فإن أي هيئة غير قادرة على كبح جماحه لأنه يتطور على مساحة التعثر الاقتصادي.
الحديث عن التنمية اليوم هو بالدرجة الأولى إعادة هذا المفهوم إلى المنطقة الأولى، حيث يمكن التعويل على طاقة المجتمع وليس على الإجراءات الرسمية المباشرة، وتتبدل طبيعة العلاقة ما بين السلطة التنفيذية والتشريعية داخل مجلس الشعب من الشكوى إلى إطار مختلف يبحث عن أساليب “الاكتفاء الذاتي المحلي”، ويخلق علاقة مختلفة ستحد بالتأكيد من الفساد وستجعل معيشة المواطن مسألة حيوية وليست كابوسا حكوميا