احذروا هذا النوع من الاحتيال.. سرق أجرتي – شاهر جوهر
هل مرّ في حياتكم نموذجٌ يشبه بطل الإنتاج هذا؟
سناك سوري – شاهر جوهر
منذ عودته للكار وهو يتحدث معي مثل مدير تنفيذي لشركة عملاقة، لو لم أعرف أنه عاد كما ذهب صفر اليدين لقلت كلاماً ألطف بحقه.
أخبرني أنه يريد تابعاً يحشو الفراغات التي يخلّفها ركم الحجارة بعضها فوق بعض بقطع من الحجر الذي يحطمه بمطرقته، وهو فعل سهل كما قال.
وعليه ارتديت ألبستي المدعوكة بالغبار والتراب وحملت المطرقة وذهبنا للعمل، ما إن وصلنا للمكان حتى انقلب إلى شخص آخر، لم يعد ذاك الجار الذي يبادلني المزاح والنميمة، وقف بوجه جامد فوق رجم من الحجارة باحثاً بنظرة خبيرة عن حجر يفتته بمطرقته ثم أخبرني بنبرة المعلم أننا نريد بناء سياج من الحجر الأزرق الصلب بطول مئة متر، لم أقل له أنه ينقلب على اتفاقنا بردم هوة صغيرة في سياج وننتهي، إلا أنني فعلت ما يريد.
كان ما إن يمط طرف حنكه السفلي حتى أعرف أنه غير راضي عن عملي، وللأمانة منذ الدقيقة الأولى حتى تركت العمل معه وهو لا يتعب من لوي حنكه نحوي باشمئزاز.
من غير المهم هنا معرفة كيف كان هذا المعلم محتالاً ونزقاً كعجوز في التسعين، ولا كيف قام باختلاس أجرة يوم كامل هي حقي بحجة أنني بطيء في العمل، لكن ما هو مهم هو معرفة كيف كان مثقفاً فيسبوكياً.
إذ يمتلك فلسفة إنتاجية واقعية، فبرأيه أنه لا عجب أن منتجاً يمتلك مواصفات جبارة وعملية سيتهافت عليه العملاء لا سيما في المناطق التي تعيش أوقات صعبة لكن كشركة ستكون النتائج كارثية، ويدلل على تلك القناعة الإنتاجية أنه ولسنوات عديدة اشتهرت شاحنات مثل مرسيدس “بنز” مثلاً بقوتها الفائقة وإمكانية الإعتماد عليها فيما يتعلق بمستوى السلامة وتوفير الوقود، لكن لم يمضِ بعض الوقت حتى تم إيقاف الإنتاج بسبب خسارة الشركة لأنها لا تستهلك مواد احتياطية و لا تتعطل.
اقرأ أيضاً: متفرغ للحصاد والأعمال الأدبية – شاهر جوهر
لهذا وعلى مدار أيام، هي مدة عملي معه، وهو لا يتعب من اختبار أفكار تنقذ (الكوكب)، (مصطلح الكوكب يقصد به عائلته)، أي صناعة منتج مستمر أو مزاولة مهنة مستمرة تنشّط الإقتصاد المنزلي وتكون أماناً لنا من البطالة.
لهذا وعند نهاية العمل تبين أنه كان يترك فجوات في بنية السياج الذي قمنا بصنعه، وكتابع بات يمتلك خبرة متواضعة فيما يتعلق بجودة العمل من ردائته أخبرته أن ذلك سيؤدي لانهيارات في السياج بمرور الوقت، فأخبرني أن ذلك سر المصلحة، لكنه لا يعلم أنه باح بسره للرجل الخطأ، إذ كان الأمر مقصوداً والسبب أنه في حال استمر البناء في الانهيار يعني ذلك استمراره في العمل وأن صاحب السياج سيقوم باستدعائه مجدداً لبنائه من جديد وهكذا لتستمر دورة اقتصاده.
في النصف الثاني من التسعينيات غزت الساحة الاقتصادية في بلادنا شريحة كبيرة من هذا النوع من أبطال الانتاج، فامتلأت الأسواق بمنتجات أقل جودة من مبدأ (بضاعة بعمر أقل قادرة على إنقاذ الشركة والاقتصاد)، وهو أمر خلق منافسات ضخمة أدت إلى حالات تلاعب واحتيال كبيرة على المستهلك، والأمثلة على ذلك كثيرة، حيث أقدمت بعض شركات للعلكة (مثلاً) بطرح مسابقات أخذت أسلوب الربح الزائف بأن طرحت مع المنتج ألبوم صور يفترض تعبئته لربح منتج أخر، في حين تبين لاحقاً أن الشركة قامت عن عمد بإخفاء قطع من صور الألبوم، وهو أمر تم الدفاع عنه لاحقاً من وجهة نظر اقتصادية على اعتباره يمنع الموت البطيء للشركة وينشط الإقتصاد.
اقرأ أيضاً: الحياة الهادئة نعمة – شاهر جوهر