الإعلام الفضائحي.. تواطؤ الضيف والمُقدِم على الجمهور – ناجي سعيد
لا يكفينا الإعلام الطائفي والحزبي… حتى يأتينا برنامج “تمام بليق”
سناك سوري-ناجي سعيد
من المعروف طبّعًا، بأن التلفاز هو ركن أساسي من أركان الإعلام المرئيّ. وليس من الضروريّ أن يكون هذا الإعلام معنيًّا بتقديم نشرات الأخبار فقط. فالواقع بأن التلفاز، يحتوي على برامجَ منوّعة. ومن المفترض أن يحكم هذه البرامج “لغة صحفيّة معياريّة” تُشكّل دستورًا يحمي شرف المهنة.
فالصحافي هو مؤرّخ اللحظة كما يقول ألبير كامو. ولستُ عاتبًا على قنوات التلفاز اللبنانيّة، فقد صاب مرض التقسيم الطائفي الحزبي هذا الجهاز ليتسلّل على الناس من خلال هذه النافذة القسرية، التي تفرض ” تبعيّةً ” على أهل كل منطقة، للحزب المهيمن السائد والمتكاثر في تلافيف أدمغة عامة الناس في هذه المنطقة.
فقد ارتكب “سالم” معصيّة مُجتمعيّة (بمنظارهم)، حين امتلك “ستالايت” خاص بمنزله، كي يشاهد قناة محليّة حُظِرَ بثّها من خلال موزّعي الاشتراكات في الستالايت، فالقناة تُعتبر مُعارِضة لسياسة الجهة المُسيطرة في المنطقة عينها. كلّ هذا يعتبر هراء، إذا صنعنا من اللغة الصحفية المعياريّة قالبًا، ووضعنا كل قناة تلفزيونيّة محليّة في هذا القالب، سنراه غير ملائم لأيٍّ منها.
فمنافسة القنوات محصورة بمعيار كمّي فقط، ألا وهو رفع نسبة المشاهدين! والخضوع لهذا المعيار الكمّي، يدمّر المستوى القِيمي المعياري لهذه القنوات. فلا يلتفت مذيعٌ مشهورٌ في أي قناة تلفزيونيّة إلى المعيار النوعي لاختيار برنامجٍ يَودّ تقديمه.
وبالطبع لا أقصد انتقاد مواهب أو مهارة التقديم، فبعض المذيعين احترفوا التقديم بعد أن فازوا في برامج تنافسيّة استعراضيّة (ولو كانت أقرب إلى الغرض التجاري منه إلى المستوى القِيمي). ولا أعلم ما أسباب انحدار مستوى الإعلام في بلدنا؟ فهل هو مرتبط بانحدارات أخرى؟ الجواب على ارتباط “الانحدارات” بعضها ببعض، هو السؤال المباشر، وهو على تماسّ مباشر بحياة الناس.
اقرأ أيضاً: الهويات لا تقتل – ناجي سعيد
حين يطرح أحدهم – بعفويّة تامّة- السؤال على متن وسائل التواصل الاجتماعي: من يتحكّم بسعر الدولار؟ ومن يرفع ثمن أسعار المواد الغذائيّة والمواد الأساسيّة؟ إن منظومة الفساد، ولا أخلاقيّتها، تدفع التجّار الصغار، للدخول في نفق الفساد ويسهموا في تسعير الأزمة الاقتصادية التي لا ينقصها سوى شعلة فساد فتحرق القيم المُتبقّية في قلوب بعض الأصيلين. ثمّ يأتيك مُذيعٌ أسقطته “الباراشوت” المُمتلئة هواءًا فاسدًا ليطعن الإعلام ليس بالسبق الصحفي، بل بالسبق الفضائحي. فيبدأ بتسمية البرنامج باسمه “مع تمام”، مساهمةً بصنع نجوميّته الزائفة، ثمّ يحضّر ملفًّا فضائحيًّا للضيف المشهور، ولا أشكّ لحظة أن شهرة الضيف المنشود لا يخلوها تواطؤاً مع المذيع كسبقٍ صحفي “تشهيري” يعزّز الشهرة، فيفاجئ الجمهور البسيط، الذي يُصدّق جرأتي الفنّان والمُذيع، ليزدادا شهرةً زائفة!، وكله بحسب رأيي ومعلوماتي متفق عليه بشكل مسبق بين “المذيع وضيفه”.
يكفي المشاهد أن يتابع عناوين أي نشرة أخبار ليمتلئ قلبه حقدًا وكراهيّة على الظالم وتضامنًا وتكافلاً مع المظلوم. مع العلم بأن هذا المظلوم سيلعب دور الظالم حين تسنح الفرصة. فينقلب الجمهور بين المع والضدّ، والريموت كونترول بيدّ القناة لا المشاهد! فعنف المظلوم أشدّ فتكًا من عنف الظالم!.
لقد دمّر العنف الوسائل الإعلاميّة، لتصبح رؤية الدمّ في نشرات الأخبار والأفلام أمرًا عاديًّا، والفرق بين عالمنا العربي والغربي هو أن الإعلام الغربي يعتمد في قنواته تصنيفًا تربويًّا. فعند عرض أي برنامج مهما كان نوعه، تضع القناة التصنيف التربوي، فيعرف الأهل لأيّ عمرٍ تناسب المشاهدة. في حين يشارك الأهل في بلادنا أبناءهم مشاهدة البرامج الدمويّة. فالسبق الصحفي في بلادنا هو السبق الدموي. وأذكر تمامًا ما قالت لي صديقتي الإعلاميّة “تانيا” بأن الإعلام لا يغطّي الخبر إذا كان: “عضّ الكلبُ الولدً”، بل يغطّي: ” عضّ الولدُ الكلبَ”.
اقرأ أيضاً: حكايتي مع الحادث الذي أدخلني غيبوبة لـ3 أسابيع-ناجي سعيد