الأغنية الفراتية.. تراث دير الزور العابر إلى سوريا والعراق
من هم أبرز نجوم الأغنية في دير الزور.... وكيف انتشر فن "لؤلؤة الفرات"
تشكل أغاني دير الزور أو ما تسمى الأغنية الفراتية نقطة التقاء وانتشار بين سوريا والعراق. فهي جزء لا يتجزأ من تراث سوريا وفي الوقت عينه فإن امتدادها وتأثرها وتأثيرها بالأغنية العراقية لا يختلف عليه اثنين.
سناك سوري _ ناديا المير محمود
رافق لقب سفير الأغنية الفراتية الفنان الراحل “ذياب مشهور” خلال مسيرته الفنية. كواحد من فناني مدينة “دير الزور” الملقبة بـ”لؤلؤة الفرات”.
خلال آلاف السنين عبّر أهالي دير الزور عن مشاعرهم وطقوسهم من خلال أصواتهم وألحانهم ومفردات أشعارهم. وتركوا في ذاكرة التراث السوري عشرات الأغاني المحفورة بذاكرة الجماهير.
وكانت رائعة “مشهور” التي تسمع إلى يومنا هذا “عالمايا” مثالاً على التراث الديري المنتشر في الثقافة السورية. والذي كان حاضراً حتى في السينما السورية خصوصاً فيلم “ملح وسكر” بطولة دريد لحام.
هناك في أقصى شرق سوريا حيث تقع محافظة دير الزور عند الحدود السورية العراقية صدح صوت الفنان “عبد القادر حناوي” بأغنية “مدلل” الذي ألفها ولحنها “يحيى عبد الجبار”. وغناها من بعده المطرب العراقي “علي العيساوي”، ونالت شهرة واسعة وحضوراً إلى اليوم.
وشهد مطلع ثمانينات القرن الفائت، انطلاقة المطرب “محمد عثمان” كواحد من أعذب أصوات تلك المدينة. الذي جال على مسارحها وشارك بكثير من مناسباتها قبل رحيله عام 2010.
كثر هم من حملوا الأغنية الفراتية بأصواتهم ومنهم “نبيل الآغا، محمد هزاع، حسين حداوي، اسكندر عبيد. عماد حديدي، سالم رمضان، أمين ياسين” وغيرهم.
حياة الأغنية الفراتية لا تقوم على الصوت فقط
لا تقوم الاغنية الفراتية على الصوت فقط، فالفنان هو الذي يحمل الأغنية بصوته وحواسه لكن من يكتبها ويلحنها هما من يصنعان الهوية الرئيسية لها.
ويعتبر الملحن “يحيى عبد الجبار” واحداً من مطوري الغناء التراثي الفراتي على العموم و”الديري” على وجه الخصوص. ورغم دراسته بالمعهد الرياضي في “حلب”، إلا أنه وجّه اهتمامه للفن وكان ابن بيئته التي خرج منها “بيئة الفرات”.
ولحّن مؤسس الفرقة النحاسية بـ”دير الزور” لعدد من المطربين المحليين والعرب، كالعراقي الراحل “ياس خضر”. بأغنيته “جهال جنّا وما درينا”، ولـ”فؤاد سالم” أغنية “عاش مين شافك”.
لقد تجاوز ملحنو وشعراء “دير الزور” حدود بلادهم. ووصلوا لجارهم العراقي واللبناني.
وبلحنها القريب من الروح. أطربنا العراقي “سعدون جابر” بأغنية “عشرين عام” للشاعر “عبد الناصر حمد“. الذي كتب لابن مدينة “البصرة” “فؤاد سالم” أغنيته “طلعت شمسنا الدافية”.
كما حرصت اللبنانية “سميرة توفيق” على أداء أغنية “مندل ياكريم الغربي” بحفلاتها. وما تزال هذه الأغنية صديقة حفلاتنا وجلسات الفرح رغم مضي 48 عاماً على إنتاجها. وهي من ألحان ابن الدير “ابراهيم العكيلي” وقد سجلتها إذاعة “دمشق” وقدمتها في حفل للتلفزيون السوري.
صادق فياض.. الأغنية الفراتية حافظت على أصالتها
بدوره تحدث الفنان “صادق فياض” لسناك سوري عن واقع الأغنية الفراتية في ظل تنوع الأنماط الغنائية بالبلاد، مشيراً إلى حفاظها على أصالتها كنوع من التراث اللامادي. كباقي الأغاني التراثية في المناطق الأخرى. كـ”حوران“، “جبل العرب”، و”الساحل السوري”.
فقد ساهمت طبيعة حياتهم وطقوسهم، وتعدد الحضارات العابرة من وادي الفرات، بخلق حالة من التنوع فيها. كـ “الموليا الديرية” و”أبو الزلف”، و”الأوف مشعل”، والهوارة الديرية والعتابا “السويحلي، النايل، الأبوذية”.
وأكد “فياض” أن أهم ما يميزها، ارتباطها بواقعهم من شمال “سوريا” وصولاً للعراق، ماجعلها تحمل النبض ذاته. وملائمة للطقوس الموجودة بمدنهم، تحمل بطياتها الحنين والبحة المميزة، وطابع التمسك بالأرض.
الشاخولة.. صديقة الأغنية الديرية القديمة
أما بالنسبة للآلات المستخدمة بعزفها، ذكر “فياض” “الشاخولة”، ويرافقها الربابة والدفوف خلال الزمن الماضي.
إلا أن التطور لم يغفل عنها ولحق بها، وبات عزفها متاحاً على كل الآلات الموسيقية حتى الغربية منها، وامتدت إلى الكثير من المقامات، حسب ما قال “فياض” لسناك سوري.
كبار السن لعبوا دوراً بالحفاظ على الأغنية الديرية
وتحدث عضو لجنة تحكيم الفنون الشعبية على مستوى “سوريا” “فياض” في حديثه لسناك سوري. عن طريقة الحفاظ على ذلك الموروث الشعبي، ودور كبار السن الجوهري بحفظه، ونقله شفوياً إلى العموم.
كما لعب المهتمون بالتراث دوراً مهماً بتحفيظه للأجيال الجديدة، «ومن جهتهم يواصل المغتربون نشر تراثهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها. ما ساهم بتكريسه وزيادة انتشاره». يتابع “فياض” مضيفاً إلى طرق حفظها. دور بعض الفرق الفنية السورية ومحاولاتها بتجميل التراث، وتقديمها بطريقة ملائمة للواقع الجديد.
وفي حين طبعت الأغنية الفراتية في سوريا والعراق ذائقة جيل كامل وذاكرته، سواء بعذوبتها وحرارتها العاطفية. واستمرت في الوجدان الشعبي لارتباطها ببيئة البسطاء من الفلاحين عموماً.
إضافة إلى تأثرها بالإيقاع السريع للحياة ومافرضه تطور أدوات العرض ووسائل التواصل. إلا أنه ومن شبه المؤكد استمراريتها كجزء أصيل من الذاكرة العاطفية لسكان الهلال الخصيب، وعشاق هذه البلاد، الذي غنى لهم ابن سهل الغاب “علاوي شاهين”. “ميجاريح يا أهل الهوى ميجاريح”.