الأديبة سلمى الحفار الكزبري في وصيتها: يا أولادي أحبوا بعضكم
سلمى الحفار الكزبري تتلمذت على يد “الشيخة عائشة” وتخرجت من الجامعة في مدريد وتوفيت خلال حرب تموز
سناك سوري – عمرو مجدح
«لم أحقق كل ما تمنيته، فأنا لست مغرورة لأقول عن نفسي هذا، فعلى الصعيد الشخصي ككاتبة قد لا أكون تأسفت على أي شيء نشرته، فكل مرحلة زمنية كان لها نضج معين، فالكاتب عادة يتدرج والإنسان يتعلم وينضج»، بهذه الكلمات المنشورة بقلمها على صفحات مجلة “المعرفة”، عبرت الأديبة السورية “سلمى الحفار الكزبري” عن مدى رضاها عما قدمته.
الكاتبة التي تعد إحدى أهم الوجوه النسائية والثقافية التي عرفتها سورية ولدت عام ١٩٢٣ في حي “الشاغور” الدمشقي والدها المناضل الوطني “لطفي الحفار”، تحكي عن طفولتها قائلة: «كنت في الرابعة من عمري عام ١٩٢٦، عندما نفي والدي “لطفي الحفار”، وكان وزيراً في حكومة المفوض السامي الفرنسي، مع ثلاثة وزراء آخرين هم أصدقاؤه في النضال، “فارس الخوري”، و”سعد الله الجابري”، و”حسني البرازي”، إلى منطقة “الجزيرة” شمال “سوريا” مدة شهرين، بعدها نقلوا جميعهم إلى منطقة “الكورة” شمال “لبنان” وتحديداً قرية “أميون”، فسمح لعائلاتهم بعدها بالالتحاق بهم».
تضيف تفاصيل حول حياتها في المنفى: «قضيت في شمال “لبنان” مدة سنتين حتى بلغت السادسة من عمري، وأنا أحفظ إلى اليوم وداً ومحبة لهذه القرية الشمالية لم أتعلم في تلك المرحلة ولم أدخل المدرسة، لكني كنت ألقي قصائد ترحيبية بالوفود الوطنية من “لبنان” و”سوريا” التي كانت تفد لزيارة والدي، وكان والدي يدربني على تلك القصائد مع رفاق الدرب في المنفى، وبينهم صحفيون من آل الصفدي، ومن هذه القصائد، “سلام من صبا بردی”، لأمير الشعراء “أحمد شوقي”، وبعد سنتين أطلقت سلطات الانتداب الفرنسي سراح المنفيين، فعشت مدة في “بيروت”، ثم عدنا إلى “دمشق” وأسس والدي مع رفاقه حزباً وطنياً بعد نجاحه في انتخابات الجمعية التأسيسية لكتلتهم».
وعن رفض والدها التحاقها بالمدرسة في تلك المرحلة تقول: «أرادني أن أتمكن من اللغة العربية، وتتلمذت في حي “الشاغور” على يد الحاجة الشيخة “عائشة”، فعلمتني القرآن الكريم والنطق باللغة العربية الصحيحة مع إخوتي، لأدخل بعدها مدرسة الراهبات الفرنسيسكان حيث قضيت تسع سنوات، وبدأت أكتب وعمري ثلاثة عشر عاماً».
الزواج والشهادة من جامعة مدريد
تابعت “الحفار” تعليمها على يد الأديبة “ماري عجمي” مؤسسة مجلة العروس، کان زواجها الأول من السيد “محمد كرامي” في طرابلس لبنان 1941 وهو شقيق الزعيم “عبد الحميد كرامي”، أنجبت منه ابنها “نزيه” وعادت إلى “دمشق” أرملة لتتابع دراستها. في عام 1948 كان زواجها الثاني من السفير د. “نادر الكزبري” ورزقت منه ابنتين هما “ندى” و”رشا”. نالت “الحفار” الشهادة من جامعة “مدريد” وألقت محاضرات باللغة الإسبانية عن المرأة العربية في التاريخ.
الكتابات الأولى
تحكي “الحفار” عن بدايتها في الكتابة قائلة: «أول مقالة لي حملت عنوان “كيف يجب أن نستفيد من الزمن؟” ويومها كنت مقهورة أتساءل: لماذا تمضي النسوة أوقاتهن وحدهن بعيداً عن الرجال الذين يلهون ويمرحون في المقاهي، فكنت بذلك أتمرد على المجتمع، وقد نشرت المقالة في مجلة الأحد الدمشقية، بعدها كتبت شعراً بالفرنسية ومن ثم يوميات “هالة” الذي صدر عام ١٩٥٠ والتي جاءت انعكاساً لشخصيتي، وأذكر أن أصدقاء والدي وأعمامي، والشاعر العظيم “بدوي الجبل” طلبوا إلي عدم مس أي جملة أو كلمة، لأن الكتاب سهل ممتنع فيه لغة بسيطة عفوية».
اقرأ أيضاً: بدوي الجبل.. الشاعر الذي أغضب أم كلثوم
زنوبيا وتدمر
كتبت “سلمى الحفار” عن زيارتها لمدينة “تدمر” في مجلة “الهلال” ١٩٥٤ قائلة: «ما من إنسان يذكرك يا “تدمر” إلا ويقرن بك اسم ملكتك الخالدة “زنوبيا” ويقف أمام أطلالك خاشعاً، حائراً في سر عظمتها وروعتها، يا “تدمر” كان عمرك يوم ميلاد المسيح عشرة قرون، حيث فيها حياة هادئة على هامش الرمال وأما مجدك فأنت مدينة به لامرأة سورية، هي شخصية نسائية فذة تمخضت عنها عبقرية عتيدة، فأنت وحيدة في الصحراء، وحدة ملكتك زنوبيا في التاريخ».
اقرأ أيضاً: حسين حمزة السوري الهارب من الانتحار… الفنان يجب أن يكون حراً
صداقتها بنزار قباني
جمعت “الحفار” صداقة عائلية بالشاعر الكبير “نزار قباني”، ونشرت كتابا بعنوان “ذكريات إسبانية وأندلسية مع نزار قباني ورسائله” وتحكي عن تلك الصداقة قائلة: «بدأت العلاقة بيني وبينه علاقة زمالة أولاً، فأنا شاعرة وهو شاعر، وكنا نقرأ لبعضنا بعضاً قبل مرحلة “إسبانيا” التي انتقلت إليها مع زوجي بحكم عمله الدبلوماسي، و”نزار” كان تلميذ زوجي ويكبرني بسنة واحدة، وعمل مستشاراً في السفارة السورية في “إسبانيا” حتى عام ١٩٦٦ ليعتزل بعدها العمل الديبلوماسي، وفي تلك المرحلة أصبح جزءاً من العائلة أتعجب أحياناً عندما أقرأ شعر ومغامرات الحب لنزار، فهذا أمر لا يصدق، لأن نزار رجل خجول جدا في علاقاته الشخصية».
مي زيادة أو مأساة النبوغ
تحكي “الحفار” لجريدة “الحياة” اللندنية عن كتاب السيرة الذاتية “مي زيادة أو مأساة النبوغ ” الذي كشفت من خلاله رسائل “زيادة” المخفية والمفقودة قائلة: «أعتقد أن كل كاتب يقدم على عمل جديد يتهيبه ويعقد عليه الآمال في آن معاً، هذا هو شعوري منذ بدأت التخطيط لدراستي عن “مي زيادة” وجمع الوثائق الضرورية للسير والبحث عن الوثائق المفقودة والمخطوطات الجديدة والمزيد من المعلومات وتدوين بعض فصول الكتاب فارضة على نفسي منهجاً جديداً وهو تقديم السيرة من خلال النصوص الأدبية التي لدينا بقلم “مي” ما دام الأمر ممكناً، وعندما يتعذر ألجأ إلى السرد التقليدي والتحليل والاستنتاج».
وتابعت: «إني أدرك أيضاً المسؤولية التي ألقيت على عاتقي في هذا العمل والمزالق التي تعترض سبيلي لدى الإبحار في خضمه، أما إذا سألتني لماذا أقبلت عليه بحماسة المغامرين وتشوقهم إلى إصابة النجاح، فلأني أجمل لـ”مي زيادة” ولكل أديب وشاعر ناضل وضحى وأعطى بإخلاص، الحب في أسمى معانيه والتقدير في أبعد مراميه».
وفاتها ووصيتها
في العام ٢٠٠٦ توفيت الأديبة “سلمى الحفار الكزبري” عن عمر ناهز ٨٣ عاماً في “بيروت”، التي كانت تحت نيران القصف الإسرائيلي ونشرت مجلة “الثقافة” وصيتها التي تقول فيها: «يا أولادي أحبوا بعضكم أرجو أن تهدوا مكتبتي في “بيروت” إلى دار الكتب الوطنية لكي ينتفع بها. وأطلب منكم أن لا تلبسوا السواد بعد موتي لأنه لم يكن مشكوراً عند المسلمين المؤمنين في صدر الإسلام، وتأكدوا بأنني أغادر الحياة على الأرض شاكرة ربي العظيم على نعمة التي غمرني بها وطالبة منه الرضا عليكم وعلى أولادكم ومن تحبون والرحمة والمغفرة. وفقكم الله ورعاكم».
اقرأ أيضاً: غادة السمان لـ: كوليت خوري: عودي فرفيقاتك القديمات مثلي يفتقدنك