افتتاح معبر أبو الزندين.. خط دمشق أنقرة سالك بصعوبة
عودة جزئية لشبكة العلاقات الاقتصادية بين السوريين... مفتاح التعافي الاجتماعي
تعود شبكة العلاقات الاقتصادية بين المناطقة السورية للاتصال من جديد مع فتح معبر أبو الزندين رسمياً. وهو الذي يصل حلب التي تسيطر عليها الحكومة السورية مع مناطق الباب وغيرها من مناطق سيطرة الفصائل المسلحة أو ماتعرف بـ “درع الفرات”.
سناك سوري – المحرر السياسي
أكدت مصادر سناك سوري أن معبر أبو الزندين الذي يصل مناطق سيطرة الحكومة السورية مع مناطق سيطرة الفصائل المسلحة “درع الفرات” سيتم افتتاحه غداً 19 آب 2024.
مصادر سناك سوري أشارت إلى استعداد عشرات الشاحنات على جانبي المعبر المغلق منذ 17 آذار 2020 لعبوره بالاتجاهين. وهي شاحنات محملة بالبضائع ومعظمها منتجات زراعية حسب ما تشير المعلومات التي حصل عليها سناك سوري.
قرار إعادة افتتاح المعبر ترافق مع استعدادات أمنية واسعة في مدينة الباب من قبل الفصائل المسلحة المقربة من تركيا بشكل أساسي. والتي تتحضر لمواجهة أي احتجاجات على افتتاحه.
الاستعدادات الأمنية تأتي نتيجة المظاهرات والاحتجاجات التي رافقت قرار افتتاحه في حزيران الماضي. والتي تطورت لأعمال عنف وامتدت لتشمل القواعد العسكرية التركية في الشمال السوري. وشهدت إنزال العلم التركي عن نقاط عسكرية ومدنية تركية داخل الأراضي السورية. ما أدى حينها لتأجيل الافتتاح وإخماد الاحتجاجات تدريجياً قبل أن يخرج بعض الذين أنزلوا العلم التركي ويجبروا على الاعتذار منه وتقبيله.
معبر أبو الزندين.. مؤشرات التقارب السوري التركي
في آذار 2020 قررت حكومة الائتلاف السوري المعارض ومقرها تركيا إغلاق جميع المعابر بما فيها المعبر الواصل مع مناطق سيطرة الحكومة السورية بذريعة “فيروس كورونا”.
وفيما بعد أعادت الفصائل فتح جميع المعابر باستثناء معبر “أبو الزندين”. وهو الذي لطالما كان الممر الرئيسي للحالات الإنسانية والطلاب والبضائع والشاحنات بين حلب وريفها الخارج عن سيطرة حكومة دمشق.
ترافق استثناء المعبر من إعادة الفتح حينها مع استثناءت حصلت عليها مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قسد، وأجزاء من مناطق درع الفرات من “عقوبات قيصر”. وهي عقوبات أمريكية شديدة القسوة تكبل الحركة المالية والتجارية تجاه سوريا أو التعامل مع سوريا. الأمر الذي يفرض ضغوطاً شديدة على السلطات السورية في دمشق ويؤدي لتراجع الواقع الاقتصادي والمعيشي للشعب السوري.
الأمر الذي تم تفسيره حينها على أنه جزء من العمل على محاصرة الحكومة السورية. وتضييق الخناق عليها على اعتبار أنها آنذاك كانت المتضرر الأكبر من هذا الإغلاق.
وتعد هذه المرحلة من عمر الأزمة السورية (2020-2024) هي المرحلة الوحيدة التي تعطلت فيها شبكة العلاقات الاقتصادية بين المناطق السورية وشهدت إغلاقاً تاماً. وخلالها حتى أعمال التهريب كانت محدودة جداً وتكاد تكون شبه معدومة باستثناء تهريب البشر بقصد العبور إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
وطوال سنوات الأزمة السورية كانت شبكة العلاقات الاقتصادية قائمة والمعابر النظامية أو غير النظامية بين مناطق دمشق وريفها بقيت فعالة. ووجدت هذه المناطق طرق تواصلها حتى في أشد المعارك بما فيها تلك التي كان يسيطر عليها جيش الإسلام أو فيلق الرحمن.
كذلك المعابر مع إدلب قبل 2020 بقيت مفتوحة في مختلف الظروف. وعندما أغلق معبر أبو دالي نتيجة المعارك عام 2017 افتتح على الفور معبر مورك كـ بديل له.
حتى أن السلطات التركية في تلك المرحلة اتهمت بأنها تعمل للسيطرة على المعابر وقطع طرق التواصل بين السوريين وتفكيك شبكة العلاقات الاقتصادية بينهم.
لكن الواقع اليوم تغير. ويأتي إعادة افتتاح المعبر في ظل محاولات التقارب التركي السوري التي تدعمها روسيا وإيران بقوة لإيجاد صيغة تفاهم بين “أنقرة” و”دمشق” بعد سنوات من القطيعة والنار.
إلا أن خط “دمشق-أنقرة” مازال سالكاً بصعوبة جداً فعلى طريقه مظاهرات احتجاجية منعت افتتاح المعبر في حزيران الماضية. وكذلك تراكمات سنوات الحرب في سوريا والدور التركي والوجود العسكري.
معبر أبو الزندين… فائدة اقتصادية سورية وإقليمية
يشكل معبر “أبو الزندين” قيمة اقتصادية وطنية للسوريين على اختلاف مواقفهم فهو يمثِّل إحياءً لشبكة العلاقات الاقتصادية بين السوريين. وهي علاقة وإن كانت بالشكل اقتصادية فقط لكنها بالمضمون تعني إحياء التواصل والاحتكاك وفتح المناطق على بعضها من جديد. بما يحمله هذا الواقع من تغيير في حالة إغلاق المناطق السورية على بعضها وأبعادها على علاقة السوريين ببعضهم ووحدة الجغرافيا السورية.
ومن ناحية أخرى فإنه مفتاح تصريف بضائع متبادلة بين المناطق السورية بما فيها ماهو صناعي وزراعي ومواد خام..إلخ. فهذه المناطق سوريّة أولاً وأخيراً عمقها سوري مهما كان الخلاف بينها وبين السلطات في دمشق. علماً أن مناطق شمال وغرب سوريا تعاني من صعوبات تصريف المواد الزراعية بشكل رئيسي ووجود فائض إنتاج فيها.
أما على الصعيد الإقليمي فهو يعتبر مفتاحاً لعودة الترانزيت من تركيا إلى الخليج العربي عبر سوريا. الأمر المفيد لكل الأطراف، تركيا كمصدِّر وسوريا كممر تتقاضى بدل عبور وصولاً إلى الأردن كممر أيضاً ودول الخليج كمستقيِل وحتى مصدر.
وفوق كل ذلك هو اختبار لإمكانية إحياء العلاقة بين دمشق وأنقرة. لكن قبل كل شيء فإن افتتاح هذا المعبر هو اختبار لإمكانية خلق تفاهمات بين السوريين على أساس المصلحة والمصير والمستقبل المشترك.
معبر أبو الزندين… مساحة التفاف خلف العقوبات على دمشق
يصل معبر أبو الزندين بين منطقتين سوريتين الأولى تفرض عليها أميركا عقوبات اقتصادية خانقة، والثانية ترفع عنها واشنطن عقوباتها. ما يجعل لدى مناطق درع الفرات مرونة وقدرة على استيراد البضائع والاحتياجات واللوازم بمختلف أنواعها من الطبيعية إلى الصناعية. بينما تعاني دمشق حتى من صعوبة القدرة على استيراد الأدوية والتجهيزات الطبية بسبب العقوبات على البنك المركزي.
كما أن مناطق شمال حلب المعروفة بحكم الأمر الواقع حاليا مناطق “درع الفرات” هي الممر بين سوريا وتركيا الطامحة بدور كبير في إعادة إعمار سوريا. وحتى بالمشاريع الاقتصادية داخل سوريا بما فيها مناطق سيطرة الحكومة السورية. ما يجعل هذا المعبر فرصة لتركيا للعبور اقتصادياً إلى دمشق بأقل المخاطر الممكنة والإغضاب لـ واشنطن المنشغلة حالياً بمشكلاتها الداخلية.
على الرغم من الضجة المثارة حول المعبر ورفض البعض له إلا أنه يمثل مصلحة سورية جمعية بشكل أو بآخر وإن كان عرابه “موسكو وأنقرة”. لكن المستفيد منه هو السوريون فمن جهة هو يحيي شبكة العلاقات الاقتصادية بينهم ومن جهة أخرى يفتح باب عودة العلاقات الاجتماعية والثقافية فلطالما كانت التجارة مفتاح التواصل.