إقرأ أيضاالرئيسيةيوميات مواطن

المرأة الحرة في مواجهة التنظيم المتشدد: حكاية السيدة “اعتدال حسن”

المرأة الحرة في مواجهة التنظيم المتشدد: حكاية السيدة “اعتدال حسن”

تتنفس “اعتدال الحسن” هواء نظيفاً خالٍ من غبار الأنقاض. تشرع سيجارتها وفنجان قهوتها وتفرد شعرها. وتجلس مع شاب غريب تتحدث معه دون خوف على رقبتها. توزع ابتساماتها للزائرين الذين يقابلونها بالذهول فلا أحد يصدق أنها خرجت من الرقة بعد أن صمدت فيها 4 سنوات.

سناك سوري – هوفيك شيهيريان

السيدة الخمسينية وصلت إلى حلب قبل يومين قادمة من الرقة مع 150 شخصاً. وهي مدينة لطائرات التحالف بنجاتها من الموت. تقول لـ سناك سوري: «إن هذه الطائرات التي كان من الممكن أن تقصفهم في أي لحظة. وقفت حائلاً دون خروج دوريات داعش إلى الطريق الذي سلكوه ليلاً».

وتضيف:«كنا نتوقع أن يتم قصفنا في أية لحظة كما قصف غيرنا. لكننا كنا نفضل الموت بالقصف على الوقوع في قبضة داعش من جديد والموت بأساليبه المبتدعة».

المرأة الحرة اعتدال حسن
التدخين بحرية

“اعتدال” لم تعد تحتسي القهوة من دون السيجارة. فهي مشتاقة للسيجارة على قدر ما اشتاقت لأحبتها بعد فراق دام أربع سنوات. صور أخوتها المعلقة على جدران منزلها حمتها من داعش عدة مرات. تقول: «مرات عديدة اقتحموا منزلي بحجة مشاهدتي للبرامج التلفزيونية كونهم منعوا أهالي الرقة من مشاهدة التلفاز. وفي كل مرة كانوا يسألونني عن صور أخي المعلقة على الحائط فأقول هذا زوجي. فيظنون أنني متزوجة ويمتنعون عن تزويجي لأحد المقاتلين لكوني أعيش وحيدة».

اقرأ أيضاً: طبيب يرجح انتشار إنفلونزا الخنازير أو الطيور في الرقة

بعد سيطرة داعش على الرقة بدأ الأهالي بالمغادرة خوفاً على بناتهم من التزويج الإجباري أو الإعتداء. وكذلك خوفاً على أولادهم من التجنيد. فتركوا كل أرزاقهم وأملاكهم وغادروا. بينما “اعتدال”. المرأة الحرة مواجهة تنظيم داعش. حيث لم يكن لديها ماتخاف عليه فقررت البقاء في مدينتها. وبعد فترة قصيرة راحت تدون الأحداث التي تشهدها ويرويها الناس لها. تقول لـ سناك سوري: «قمت  بتدوين الأحداث بشكل يومي بالتعاون مع صديقة لي وهي الآن مازالت تناضل القذائف والقصف فقط لنكون شهود عيان عما عاشته الرقة خلال أربع سنوات. كانت سنوات صعبة جداً. نحن أهل الكرم أصبحنا نعاني من الجوع.  نحن المحبين للسهر نغلق الشبابيك ونحجب ضوء الشمس بالستائر خوفاً من الموت».

وجود “داعش” ألحق ضرراً كبيراً بالحياة الاجتماعية لكنه زاد من تعاون الأهالي ضمن الحي الواحد وفي التجمعات القريبة من بعضها البعض. تقول المرأة الحرة في مواجهة التنظيم المتشدد: «رغم كل ما تعرضت له الرقة من مأساة إلاَّ أنَّ روح الأخوة لم تتلاشى بل جرائم داعش قربتنا أكثر. لقد كنت وحيدة في المنزل إلا أن جيراني وأحبائي لم يتركوني وحيدة في مواجهة الحصار. وعلى العكس أصبحت العلاقات أقوى وأمتن».

المرأة المتحررةآخر سبل العيش في الرقة هو الخبز الناشف الممون. تقول السيدة الخمسينية: «كنا نشعر بأن التنظيم يوما ما سيحاصر في الرقة. وكان لابد من أخذ احتياطاتنا لذلك قمنا بتخزين الخبز وتنشيفه قبل الحصار بعدة أشهر. واليوم نقوم بترطيبه في الماء ثم نأكله. قبل مجيئي إلى حلب كانت مؤونة الخبز قد شارفت على الانتهاء فكنا نقوم بنقع البرغل بالمياه العكرة ونأكله دون طبخ لعدم توافر الوقود».

 

اقرأ أيضاً: وفاة هدية عباس.. أول امرأة تشغل منصب رئيس البرلمان السوري

لم يكن الأهالي وحدهم من يشعر بقرب الحصار وكذلك “داعش” بحسب السيدة التي استضافت سناك سوري في منزل شقيقها في حلب. تقول: «بعد سيطرة سوريا الديمقراطية على جزأ من نهر الفرات قطعت المياه بشكل كامل عن مدينة الرقة بالإضافة إلى الكهرباء. في هذه الاثناء شعر داعش بأنه مقبل على حصار فقام عناصره بحفر آبار في مناطق قريبة من نهر الفرات ولكن المياه تأتي من هناك عكرة جداً وغير صالحة للاستعمال البشري. هناك بئر واحد ذو مياه عذبة ولكن التنظيم لم يسمح للأهالي بالاستفادة منه بل جعلهم يشربون ويستعملون المياه العكرة».

لم تتمكن “اعتدال” من إلقاء كلمة الوداع لركام الرقة كونها هربت ليلاً ولم ترى أي شيء أما الأن فهي تبكي على أحجار المدينة المنكوبة من بعيد وتوصف حالتها قائلة: «القصف الجوي والمدفعي والصاروخي دمر الرقة تقريباً بشكل كامل. لا تلاحظ أي منزل إلا وتأذى من القصف. بالإضافة إلى تخريب البنى التحتية بشكل كامل. الرايات السود مرسومة على كل حجرة من الرقة. حتى أصبحت أرى كل شيء في الدنيا أسود. بالأمس عندما وصلت حلب شعرت بتعب في عيني لأنها اعتادت على الظلمة فأتعبها النور هنا».

اقرأ أيضاً: سلاف فواخرجي ونضال الأحمدية.. الشتائم ليست حلاً

أقرباء اعتدال لم يتوقعوا بأنها ستعود إليهم خاصة بعد اشتداد القصف وتضييق الحصار على المدنيين من قبل داعش. “أم فراس” وهي زوجة أخيها تروي كيف كانت تتواصل معها وتقول لـ سناك سوري: «الخطوط التركية أصبحت الوسيلة الوحيدة لكي نتصل باعتدال. تخيل أنت في سوريا وتتصل مع شخص آخر في سوريا لكن على رقم تركي. ولكن في وقت لاحق منعت داعش الناس من استعمال الموبايل لذلك أصبحت اعتدال فقط من تتواصل معنا عن طريق الجيران. ولكن بعد عيد الفطر انقطع الاتصال كلياً. ولدى وصولها إلى ضواحي الرقة اتصلت بنا فلم نكن نصدق بأن هذا صوتها. كنا نظن بأنها استشهدت جراء القصف».

لقاء بعد فراق

تعيش “اعتدال” الأن وهي تتنفس هواء حلب وتنظر من شباك منزل أخيها إلى الشارع الخالي من الرايات السود والنساء ذات النقاب والدرع وتتصبح على أغاني الفيروز وهي تشعل السيجارة برفقة القهوة والقليل من التصفح على الفيسبوك. فهي حرة من تدخل سلطات داعش في الحياة الاجتماعية والشخصية للناس. إلاَّ أنَّها مخزونة بذكريات سوداء وحنين إلى مدينتها يخنقها بالرغم من أنها لم تمض بعد سوى بضعة أيام خارج الرقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى