استمرار الانتهاكات في الساحل السوري.. الآلاف ينامون في العراء
أزمة إنسانية مستمرة... لا أمان لا طعام لا دواء

مازال آلاف أهالي الساحل السوري يبيتون في العراء بين الأشجار وفي الأودية والأراضي الزراعية والأحراج قرب الوحوش البرية خوفاً على حياتهم. في ظل استمرار حالة عدم الأمان وتلقيهم التهديدات المباشرة على السوشل ميديا من قبل شخصيات مدنية وأخرى عسكرية ترافق العمليات العسكرية.
سناك سوري – الساحل السوري
لا تزال الانتهاكات مستمرة في الساحل السوري حتى اليوم الأحد 9 آذار 2024 رغم كل النداءات والمناشدات بإيقاف مايحدث على مدى الأيام الثلاثة الماضية.
وقد تمكن الأهالي في بعض مراكز المدن من الخروج وجمع جثامين ذويهم المنتشرة في الشوارع مثل مدن “بانياس، جبلة، القرداحة”. بينما تعثر عليهم دفنهم نظراً لغياب الأمن والأمان في المناطق وتعثر نقل الجثامين إلى المقابر في حين مازال البعض لم يعثر على أبنائه وهناك ضحايا في منازلهم لم يتم الوصول لهم بعد.
وحدها القرى التي خرجت المجموعات المسلحة منها بعد ارتكاب المجازر فيها ولم تعد لها استطاع أهلها إحصاء ضحاياهم بشكل تقريبي مثل قرية المختارية في ريف اللاذقية التي تشير الإحصائية الأولية التي أجراها الأهالي إلى وجود 135 جثة في القرية الواقعة ريف اللاذقية بينهم رجال ونساء وأطفال. بالإضافة لـ قرابة 75 شخص مجهول المصير بينهم رجال ونساء وأطفال.
بينما لاتزال شبكة الحماية الاجتماعية بين الأهالي من طوائف وديانات مختلفة في أعلى مستوياتها حيث تستمر الجهود المجتمعية على حماية السوريين بعضهم بعضاً من الأذى في الساحل السوري، ويستقبل الأهالي في أحياء آمنة جيرانهم النازحين والهاربين من المناطق التي تشهد انتهاكات وذلك لحمايتهم.
علماً أن عمليات التعفيش التي ارتكبتها الفصائل المسلحة لم تميز بين حي وآخر أو مكون وآخر في مراكز المدن خصوصاً بجبلة وبانياس.
أبرز الأحداث اليوم خلال آخر 24 ساعة
تجري في بانياس أبرز الأحداث خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية وذلك بعد خروج الفصائل التي شاركت بالانتهاكات التي ارتكبت في حي القصور والقوز باتجاه الريف.
وبدأت المناشدات منذ أمس من الرتل العسكري الذي عبر باتجاه القدموس حيث تشير شهادات السكان إلى وقوع انتهاكات واضحة في 4 قرى على “اسقبلة، الحطانية، العامودية، بارمايا”.
آلاف الأهالي من القرى الواقع على طريق بانياس القدموس هربوا إلى البراري خوفاً من تكرار المجازر التي وقعت في مدينة بانياس.
وقد استطعنا التواصل مع بعضهم ممن وجدوا بالأحراش ملاذاً لهم حيث أشاروا إلى رؤيتهم أعمدة الدخان ترتفع من عشرات المنازل في قراهم وصولاً للقدموس.
وبحسب شهادات الأهالي والفيديوهات التي تم رصدها فإن الرتل ضخم جداً وفيه دبابات وراجمات صواريخ، وبحسب الأهالي فإنه تم استخدام الأسلحة الثقيلة بعمليات القصف التي استهدفت مختلف المناطق.
بعد ذلك دخل الرتل إلى قرية اسقبلة ليلاً وتمركز فيها حتى الصباح حيث انتشرت المدفعية فيها في حين بدأت المسيرات تنتشر بالأجواء وألقت قنابلها في مناطق متفرقة من المنطقة. في وقت ينتشر فيه الأهالي بالبراري وبين الأحراش مع نسائهم وأولادهم ورجالهم وشيوخهم.
ورصد سناك سوري عند الساعة الرابعة تماماً قصفاً عنيفاً تعرضت له منطقة الميدان بمحيط القدموس، في حين ماتزال ترتفع أعمدة الدخان من عدة قرى على طريق بانياس القدموس.
إلى جبلة أيضاً حيث شهدت المدينة دخول قوت الأمن العام وإعلان سيطرتها الكاملة على المدينة والمواقع العسكرية فيها وطرد الفلول الذين كانوا موجودين فيها وفي مقدمتها الكلية البحرية.
ورغم إعلان السيطرة على المدينة ودعوة السلطات لأهالي أحياء الرميلة والعسيلية الذين نزح معظمهم إلى المطار للعودة إلى منازلهم إلا أن عدة منازل في حي الرميلة تم إحراقها ورصدت أعمدة الدخان ترتفع 12 مرة من الحي صباح اليوم الأحد. ويقع الحي مقابل الكلية البحرية في شمال مدينة جبلة وسط أنباء عن وقوع ضحايا بين المدنيين نعمل على التحقق من مقاطع فيديو وصلتنا لها. في حين تؤكد شهادات الأهالي عن بعد سماع إطلاق نار بين كل فترة عبارة عن رصاصتين أو ثلاثة وسط مخاوف من أن تكون لاعدامات.
بالانتقال باتجاه أوتستراد اللاذقية جبلة فإن القرى على طرفي الاتستراد تعرضت لانتهاكات واسعة سواء في قرى بستان الباشا والقبو وعين العروس حيث تم إحصاء بعض الضحايا ولكن مازالت الحصيلة النهائية غير متوفرة.
فيما لايزال آلاف الأهالي في تلك المنطقة وصولاً إلى اسطامو وأرياف القرداحة يبيتون في العراء خوفاً على حياتهم بينما عاد البعض أمس نهاراً إلى منازلهم ومن ثم خرجوا ليلاً مع دخول آليات عسكرية للمنطقة وإطلاق نار عشوائي في الهواء.
استمرار قطع الكهرباء… وغياب الاحتياجات الأساسية
في الأثناء أصبح من الصعب جمع المعلومات التفصيلية عن مناطق الساحل السوري من الأهالي أنفسهم في ظل انقطاع الاتصالات مع معظم القرى نتيجة قطع الكهرباء المستمر منذ قرابة 72 ساعة الأمر الذي أخرج معظم الهواتف عن الخدمة وانعدمت أدوات التواصل عند معظم الناس وكذلك أدوات التوثيق.
إلى جانب ذلك تكاد تنعدم سبل الحياة مع استمرار قطع المياه، وتعطل عمل معظم الأفران في الأرياف التي تفتقد للطحين وقد صدرت مناشدات كبيرة لتأمين الطحين لأفران الريف في ظل انعدام الأمان على امتداد جبال الساحل السوري.
كما أن عمليات التعفيش التي تمت أفرغت قرى ومناطق كاملة من المواد الغذائية وحتى وسائل النقل في ظل حاجة عاجلة لمساعدات إنسانية.
في حين أعلنت السلطات عن عودة الفرن للعمل في مدينة جبلة قبل قليل.
أعداد الضحايا بدأت تظهر من ريف حماة
بموازاة ذلك، شهدت العديد من قرى ريف حماة استهدافاً للمدنيين خلال الساعات 48 الماضية ووقوع ضحايا ومن بينها قرية دير شميل ، وبحسب شهادت الأهالي فقد خسر 3 مدنيين حياتهم وأصيب 3 آخرون بجروح بعد دخول الفصائل المسلحة للقرية والتي اختطفت 3 أشخاص أيضاً مصيرهم مجهول.
كما أخذ العناصر معهم معظم السيارات التي رصدوها بالقرية وكذلك 3 جرارات زراعية، وعدد كبير من الدراجات النارية، بالإضافة لتعفيش المحال التجارية.
وتخلل كل ذلك ترديد عبارات طائفية وشتائم مباشرة وإهانات لفظية.
الأهالي الذين تواصلنا معهم أكدوا انعدام سبل الحياة في القرية حالياً وأنهم لا يمتلكون احتياجاتهم الآنية وفقدوا مصادر دخلهم للمستقبل أيضاً معتبرين قريتهم منكوبة.
مجزرة في أصيلة والتويمة
لم تكن “دير شميل” المستهدفة الوحيدة خلال الحملة حيث تعرضت قرية “أصيلة” بريف “مصياف” الشرقي لهجمات وعمليات قتل على أساس طائفي راح ضحيتها 11 شخصاً بينهم أم مع ولديها.
وقالت مصادر محلية من القرية لـ سناك سوري أن عناصر الفصائل أقدموا كذلك على سرقة المال والمصاغ الذهبي والأجهزة المحمولة من منازل الأهالي.
أما الحصيلة الأكبر لعمليات القتل فكانت في قرية “التويم” شرق “مصياف”، حيث بلغ عدد الضحايا نحو 73 شخصاً بينهم نساء وأطفال قتلوا بسبب انتمائهم للطائفة “العلوية”، ورافق المجزرة أيضاً عمليات سرقة للممتلكات والأموال. ومازال سناك سوري يجري عمليات التوثيق لأعداد الضحايا في القرية.
قتل عشوائي
إلى جنوب “مصياف” حيث تقع قرية “بستان الفندارة” التي شهدت يوم الخميس قتل 5 مدنيين قتلوا أثناء إطلاق النار عشوائياً من قبل أرتال الفصائل التي كررت هذا السلوك بشكل لافت في عديد المناطق التي مرت بها.
مناشدات من أهالي الرصافة
مجزرة إضافية شهدتها قرية “الرصافة” بريف “مصياف” الجنوبي الغربي، حيث قال مصدر محلي لـ سناك سوري أن 67 شخصاً من مختلف الأعمار بينهم أطفال ونساء خسروا حياتهم على يد أحد الفصائل.
وناشد المصدر الجهات المعنيّة لمساعدة الأهالي في سحب جثامين الضحايا في ظل الوعود بإرسال سيارات من “الهلال الأحمر” لمؤازرتهم.
وأوضح المصدر أن مسلحين خارجين عن القانون (فلول نظام) أقدموا أمس على استهداف رتلٍ عسكري عند أحد الحواجز، فجاء الرد عبر مجزرة ترافقت مع حرقٍ للمنازل وسرقة محتوياتها وحتى قتل الحيوانات في القرية، وسط نداءات استغاثة من الأهالي عبر وسائل التواصل الاجتماعي معلنين قريتهم منكوبة بعد أن خسر سكانها كل شيء تقريباً.
في الأثناء طمأن عضو اللجنة المدنية المؤقتة في “مصياف” الدكتور “حسن درزية” الأهالي في رسالة صوتية عبر واتساب أكّد خلالها أنه لن يتم دخول أي فصيل إلى “مصياف” خلال هذين اليومين.
وأضاف “درزية” أنه تواصل مع مسؤولي الأمن العام الذين عبّروا عن اعتذارهم جرّاء تجاوزات الفصائل الأخرى، مع التأكيد على أن حملات التمشيط في ريف “مصياف” ستكون على يد “الأمن العام” وسيمنع دخول أي فصائل أخرى وفق حديثه.
تحريض وشماتة
خلال الأيام الماضية لم تتوقف حملات التحريض والتعليقات الطائفية التي تصنّف المدنيين على أنهم “فلول للنظام” بسبب انتمائهم الطائفي، كما انتشرت مقاطع مصورة لعناصر بزيٍّ عسكري يتفاخرون بارتكاب مجازر على أسس طائفية، فيما يظهر عنصر آخر يفتخر بما تم تدميره في مدينة “جبلة”.
تحديات متوقعة
وبعد خطابه يوم الجمعة الماضي الذي تحدّث فيه عن سلاح “منفلت”، ظهر الرئيس السوري المؤقت “أحمد الشرع” في كلمة مقتضبة ألقاها بعد صلاة الفجر في جامع “الأكرم” بمنطقة “المزة” في “دمشق”، وقال خلالها أن “الأزمة عدت على خير” ولا خوف على “سوريا” في تعليقه على أحداث الساحل التي بدأت منذ يوم الخميس الماضي.
واعتبر “الشرع” أن ما جرى كان ضمن “التحديات المتوقعة” على حد وصفه، داعياً إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في البلاد.
أعداد الضحايا
لا توجد إحصائية دقيقة حتى الساعة لأعداد الضحايا في ظل استمرار التوترات وعجز الأهالي عن إحصاء خسائرهم، فيما قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان “رامي عبد الرحمن” أن الانتهاكات بحق المدنيين لا تزال مستمرة حيث تم تسجيل 830 ضحية مدني من الطائفة العلوية وتهجير عشرات الآلاف وإحراق منازلهم وفق حديثه.
ودعا “عبد الرحمن” إلى محاكمة المتورطين في الانتهاكات بتهمة ارتكاب جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية.
ضحايا الأمن العام في أحداث الساحل السوري
في المقابل، لم يتم أيضاً إعلان أي حصيلة رسمية عن الخسائر في صفوف قوات “الأمن العام” في وقتٍ تتزايد فيه الأعداد مع استمرار الاشتباكات والعمليات العسكرية. بينما نقلت قناة “الجزيرة” عن مصدر سوري أمني لم تكشف عن اسمه اليوم قوله أن وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية خسرت 231 عنصراً من قواتها في عمليات الساحل.
حيث كشف مصدر أمني في محافظة “اللاذقية” لوكالة سانا الرسمية عن العثور على مقبرة جماعية تضم عدداً من قوات الأمن العام وعناصر الشرطة في أحد الوديان قرب مدينة “القرداحة”.
وأعلنت وزارة الداخلية اليوم تمكّن “الأمن العام” من ضبط مستودع أسلحة وذخائر في منطقة “كفر عبد” بريف “حمص” الشمالي. كما نشرت وكالة سانا الرسمية صوراً قالت إنها تظهر استخدام “فلول النظام البائد” لمركبات المدنيين على الطريق الواصل بين “اللاذقية” و”طرطوس”.
من جهته، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية العقيد “حسن عبد الغني” بدء المرحلة الثانية من العمليات العسكرية بهدف ملاحقة فلول النظام في الأرياف والجبال بعد استعادة الأمن والاستقرار في مدن الساحل وفق حديثه.
مهاجمة وقفة تضامنية
دعت مجموعة قوى سياسية ومدنية إلى وقفة تضامنية اليوم في ساحة المرجة بـ”دمشق” تعبيراً عن الحداد على الضحايا من المدنيين وعناصر الأمن العام في الساحل السوري.
لكن الوقفة الصامتة التي رفعت شعارات تدعو للوحدة الوطنية وتعزيز السلم الأهلي ووقف الانتهاكات الطائفية، وحقن دماء السوريين، قابلتها مظاهرة مضادة رفعت شعارات طائفية وتحوّلت إلى عراك بين الجانبين سمع خلاله إطلاق رصاص قبل أن تتدخل قوات الأمن للسيطرة على الموقف.
غياب وسائل الإعلام على الأرض
على الرغم من مضي أكثر من 72 ساعة على بدء أحداث الساحل السوري والانتهاكات الجسيمة المرتكبة إلا أن مراسلي وسائل الإعلام الرسمية والعربية في الساحل السوري اقتصرت تغطيتهم على مرافقة العمليات العسكرية ونقل الأنباء الصادرة عن الوسائل الرسمية فقط ولم يزوروا أي من القرى والمناطق التي تم تسجيل الانتهاكات فيها.