سناك سوري – ناديا المير محمود
يبدو أن المواهب الدفينة لا تظهر إلا صباحاً عند خروجي، لأبقى في حالة تأهب دائم لتجنب وصول كيس القمامة الطائر من أحد الشرفات باتجاه الحاوية إلى رأسي، وهو مشهد يتكرر كل يوم تقريباً.
ذات صباح، شهدّ أحد أصدقائي الذي كان يمشي معي، حادثة طيران البطيخة مثنياً على “براعة” الفاعل في التصويب، فهو مثله يعاني النزول من الطابق الثالث و المشي لآخر الشارع حيث المكان المخصص لحاوية القمامة، والتي يراها بعيدة في نظره مما يؤخره عن عمله، متسائلاً عن سبب عدم وضع حاوية أمام كل مبنى.
يبدأ نهاري (الزبالة) بمصادفة أنواع مختلفة من الحاويات، حاويات باتت غرف نوم للقطط و الكلاب تنام بداخلها قريرة العين واثقة من سلوك من حولها في رمي النفايات بجانب الحاوية، حيث لن يعكر صفو نومتها أحد، في الشارع التالي حاوية مقلوبة مهمتها حماية المنصف من التلوث، لكنها تحمي الجزء الملاصق لعمود الكهرباء من أي مكروه.
اقرأ أيضاً: “اللاذقية”.. أكوام القمامة تهدد حي “الرمل الجنوبي” والأهالي يستغيثون
أما فيما يتعلق بالحاوية النقالة التي تراها كل يوم في شارع، يأخذ موقعها الأساسي مجازياً أكياس القمامة مسطرة و كأنها موجودة و أعز، لا يغفل عن العين الحاويات الرمزية المتمثلة بزوايا الشوارع والأحياء حيث باتت الزوايا، المكان المخصص لرمي القمامة سواء وضعت حاوية أم لا.
و في لحظة قفز إلى ذهني، مشهد المشاجرة الكلامية التي رأيتها منذ فترة، بين عاملي النظافة و أحدهم عندما ناداهم من شرفته مطالباً إياهم بإيقاف الشاحنة لأنه لم يرمِ قمامته بعد، أخبروه أن الموعد المحدد انتهى و عليه الالتزام به، فكان جوابه( أنا حر و بكب زبالتي ايمت ما بدي)، فترحل الشاحنة و يرمي الكيس في الهواء الطلق كنوع من رد الاعتبار.
طريق مليء بهذا الكم من القمامة، لا يعتمد عليه بأن يملي على العقل أفكار و ذكريات إلا بما يشابهه، فالمحطة الأخيرة تشهد اجتماعاً لثلاث حاويات وضعت بالمقلوب أيضاً بشكل متلاصق كسور منيع، يوحي برسالة أننا لسنا مصنوعين لوضع القمامة في داخلنا فالشوارع أكبر وقلة حيلتكم مصدر موثوق بها، و الأرصفة تتسع لأعداد هائلة من البطيخ وما يماثله.
اقرا أيضاً: سوريا: رئيس بلدية يتهم المواطنين بالوقوف خلف “أكوام القمامة”