“إكرام أنطاكي” ودعت دمشق وتنبأت بتفكك الأوطان منذ 1996
“أنطاكي” التي هرّبها رجال السياسة من دمشق… نالت الجائزة الوطنية في المكسيك
سناك سوري-عمرو مجدح
«هذه هي المرة الأولى التي أعود فيها إلى “سوريا” بعد عشرين عاماً من الغياب وأنا عائدة الآن لبضعة أيام فقط؛ عائدة لأصفِّي حساباتي مع روحي في “دمشق” المدينة التي عشتُ فيها شبابي، هذا الجزء من حياتي في بداياتها، الذي قضيته هنا، هو جزء من روحي، الذي عدت لأصفِّي حساباتي معه».
تلك كلمات الشاعرة السورية “إكرام أنطاكي” في حوار بثه التلفزيون السوري عام 1996 من تقديم الكاتب “نبيل الملحم”، والتي بدت من خلالها وكأنها عادت لتلقي نظرة أخيرة على مدينتها “دمشق” بعد ذلك الفراق العاصف والطويل وربما عادت لتصالحها أو لتطلب منها الغفران وتطل واقفة من أعلى قمم “قاسيون” معترفة أمامه والمدينة بذلك الحب الأبدي الذي لم تمحه ليالي الغربة بكل ما أعطتها من نجاح.
بعد أربع سنوات من زيارتها تلك، توفيت عن عمر ناهز 52 تاركة خلفها ديواناً عربياً يتيماً بعنوان “مغامرات حنَّا المعافى حتى موته” و29 كتابا باللغة الإسبانية لغة “المكسيك” البلد الذي اختارت الإقامة فيه وحملت جنسيته وأصبحت واحدة من أهم الوجوه الفكرية فيه وقدمت برامج تلفزيونية وإذاعية ساهمت في إكسابها شعبية كبيرة.
اقرأ أيضاً:متى تنشر “كوليت خوري” رسائل نزار قباني؟
لكن الكاتبة دمشقية المنشأ والتي اكتسبت كنيتها من جدها بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الذي عرف بمساعدته الأرمن خلال المذابح التي تعرضوا لها من قبل العثمانيين، استطاعت أن تستقرىء المستقبل وتتنبأ بما سيحدث من تفكك للأوطان وكانت لديها رؤية خاصة سبقت ما يسمى “الربيع العربي” بخمسة عشر عام قائلة في اللقاء التلفزيوني ذاته:« أنا لا أحب زمني، ولا أحب الزمن الذي سبقه، لكني لست متأكدة من أن الزمن الذي سيأتي سيكون زمناً أفضل، نحن نعيش اليوم نهاية قرن خطرة جداً، نشهد فيها تفكُّك دول، والدولة شيء كبير جدّاً، نحن لم نكن نعرفها من قبل، وقد أصبح من الواجب (اليوم) التعرف إليها، لأنها أساسية وحيوية، لأنها تُلزِم كلَّ تلك القبائل والمعتقدات والأديان على العيش سوية ضمن إطارها، على أساس مثلاً أنهم “سوريون”».
الدولة أكبر من أي شيء
تواصل “أنطاكي” استقراءها للمستقبل الذي نعيش فيه اليوم، فتقول:«إن كنتُ أريد تحطيم هذه المؤسَّسة التي هي الدولة، والتي هي أكبر من الحكومة، ومن رؤساء الحكومة، ومن أيِّ شيء، إن كنتُ أريد تحطيمها والتقليل من قدسيَّتها واحترامها، فإن هذا يعني أن الناس ستعود إلى قبائلها، أنا لا أرغب بتكرار ما حصل في “يوغوسلافيا” لبلدي، أنا أريد هذه الدولة (ومستعدة) لأدافع عنها بأظافري وأسناني لأنها تجمع هؤلاء الناس، بغضِّ النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والعائلية، وكل هذا تحت اسم فكرة”وطن”، أنا أعرف أن نهاية هذا القرن تحطِّم هذه الفكرة، لذلك فإن الثوري الحقيقي لم يعد ذاك الذي يدعو إلى الثورة، إنما هذا الذي يدافع عن هذه المؤسَّسة القديمة التي اسمها الدولة».
التعويض بالأسوأ!
امتلكت “أنطاكي” فلسفة خاصة بالوطن والأسرة، عبرت عنها بالقول:«نفس الشيء بالنسبة للأسرة، بماذا تريد أن يتعلَّق الناس؟ دعها تتعلق بهذا الشيء الذي تمَّ بناؤه والذي هو ليس بسيئ. طبعاً هنالك أشياء كثيرة سيئة في الدولة؛ وهنالك أشياء سيئة في الأسرة، لكن يبقى الأهم أن نعرف أن حصيلة نتاج هذه “المؤسَّسات” كان جيدًا بشكل عام. فإن أزلنا للناس ما هو بين أيديهم فإنهم سيعوضونه، ليس بما هو أفضل منه، إنما بما هو أسوأ لذلك يجب الدفاع عنه».
اقرأ أيضاً:من يهود “سوريا” إلى “هالة” بنت “ألبير” اليهودي – عمرو مجدح
أسباب الرحيل
و على الرغم من المعاناة التي عرفتها “إكرام” وذاقت مرارتها خلال حياتها السورية لم يتغير أو يتزعزع مفهوم الوطن لديها، فالفتاة التي ورثت عن والديها الأفكار “اليسارية” ثم انتسبت للحزب الشيوعي السوري وتحولت من جامعية إلى ناشطة حقوقية تنشر أفكارها وتدافع عن مبادئها بشراسة ماعرضها لتضييق ومحاربة من قبل رجال السياسة والدين وهو أحد أبرز الأسباب التي دفعتها للرحيل.
هيام حموي تنعي أنطاكي
كانت “هيام حموي” أبرز من رثى “أنطاكي” في “سوريا” وذلك عبر مقال نشرته في جريدة “البعث”، تقول في مقالها: «اكتشفت، في أواخر العام 2000، أن مواطنتي المتفوقة النابغة السابقة لعصرها، الدكتورة “إكرام أنطاكي”، قد رحلت عن دنيانا، عدت يومها إلى التسجيل الصوتي للحوار الإذاعي الذي كنا أجريناه في إحدى زياراتها لباريس، وتذكرت وصيتها بضرورة الحفاظ على “الأرض بيتنا”، وأدركت أنها كانت تقصد الأرض بكل معاني الكلمة، الكوكب والوطن، على غرار ما كان يقصده المغترب المهجري العبقري الآخر”جبران خليل جبران” الذي غنت له فيروز “الأرض لكم… الأرض لنا، لماذا إذًا تخاصمني، هذي يدي، هات يدك».
لم تأخذ “أنطاكي” حظها من الإنتشار والاهتمام في بلدها الأم الذي تعلمت ودرست وتخرجت من جامعته في “دمشق” قبل أن تغادره إلى “باريس” ثم تستقر في “المكسيك” وتموت فيها بعد أن صفت حساباتها مع “دمشق” في زيارتها الأخيرة إلى المدينة التي حملتها معها في غربتها كتميمة حظ جعلت منها شمعة سورية مضيئة في الأدب المكسيكي.
ولدت إكرام أنطاكي في “دمشق” في 9 حزيران 1948 ورحلت في 31 تشرين الأول 2000، حازت على الجائزة الوطنية للأدب في “المكسيك”، لديها ابن وحيد هو المخرج المكسيكي “مروان سوتو أنطاكي”. دفنت في قبر على الطراز الدمشقي في مدينة “مكسيكو سيتي”.
اقرأ أيضاً:من هي الكاتبة السورية التي تزوجت محمود درويش وباتريك سيل؟