أزمة ثقة حكومية بالمجتمع المدني .. والشباب ضحية التهميش عن الشأن العام
تمكين الشباب السوري ضرورة للتنمية وفرصة للمساهمة بحل الأزمات
يبدو مشهد تقييد عمل المجتمع المدني في “سوريا” ووضع العراقيل أمامه لإبقائه محصوراً في دائرة “الجمعيات الخيرية” إثر الريبة التي تشعر بها السلطة تجاه نوايا العاملين في هذا الحقل.
سناك سوري _ هادي مياسة
العمل المدني في البلاد لا يزال ينتظر “قانون المنظمات غير الحكومية” الموعود منذ 2011. ليكون بديلاً عن قانون الجمعيات الحالي والذي أقرّ منذ عام 1959 رغم كل تغيرات العصر وتطوراته منذ أكثر من نصف قرن.
المجتمع المدني مدان حتى يثبت براءته
يقول تقرير الجلسة 44 من “الأربعاء السوري” الذي تعقده “حركة البناء الوطني” أن عدم وجود حالة مدنية سورية واضحة. يعود إلى توجُّس السلطة من عمل المجتمع المدني .الذي ترى فيه أجندة خارجية وتبعية وعمالة في بعض الأحيان.
عدم الثقة بالشباب وتهميشهم هي مشكلة عالمية. وهذا ينعكس من خلال قرار مجلس الأمن “2250” حول الشباب والسلام والأمن
أي أنّ القيود الحكومية التي تعطِّل عمله ناتجة بمعظمها عن شكوك استباقية لا تراعي وجود جماعات هدفها وطني وإنساني بحت، ومن حقها العمل والمشاركة. الأمر الذي يحرم البلاد من عمل مدني فاعل وقادر على المساهمة في حل الأزمات الوطنية.
ولعل تلك الثقة المفقودة قد تعود بتغيير وجهة النظر. فلربما لو حاولت السلطات النظر إلى الناشطين المدنيين بصفتهم الطبيعية. أي كشركاء بالوطن ومن حقهم الانخراط بشؤونه بدلاً من النظر إليهم بعين الريبة. لكانت منحت مقترحاتهم حقها بالتقييم. ومن يعلم قد تقبلها حينها كأنها مقدَّمة من عاملين بلا أجر لديها.
تخبطات حكومية بغياب التشاركية
الواقع الاقتصادي والاجتماعي السوري سيء، باعتراف الحكومة نفسها. وعلى الرغم من أنها تتروى كثيراً خلال دراسة الحلول إلا أنّ هذا لم يحمها من الإخفاق عديد المرات.
وليس ببعيد صدور المرسوم 252 المتعلق بنظام الحوافز، والذي امتدحته “وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف” طويلاً. وأكدت أن نظام التحفيز بني على دراسات استمرت لعامين ونصف في وزارتها ولم يأتِ اعتباطاً.
ومع ذلك تم وقف العمل به إلى إشعار آخر بعد أشهر من بدء تطبيقه. فهل كان من الممكن تجنُّب ما حدث لو تم الاستئناس بآراء خبراء وناشطين من خارج الحكومة؟.
وما سبق يمكن أن ينسحب على العديد من مشكلات العمال الأخرى، ومشكلات غيرهم من الفئات الاجتماعية كالفلاحين والصحفيين، بالإضافة للمرأة والأطفال والشباب والمشردين وغيرهم من فئات ضعيفة مهمشة.
فتح المساحات للشباب
وكمشكلة ثقة أخرى تُبرِّر الإقصاء الحكومي لفئات من المجتمع، تبرز حالة ضعف الثقة بالشباب للمشاركة الفاعلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ففي استبيان أجرته “منصة تمكين الشباب” المهتمة بالشباب السوري. أجاب 93٪ من المشاركين بأنهم لا يعتقدون أنه يتم تقديم الدعم الكافي للشباب. كما رأى 78.3٪ منهم أنّ الشباب محرك رئيسي للتطور والابتكار، في حين قال 19.81٪ أنّ دور الشباب في التطوير والابتكار مهم ولكن بجانب عوامل أخرى. في حين أكّد 96% من المشاركين أن تمكين الشباب السوري ضرورة ملحة للتنمية الاجتماعية والسياسية.
وأبرز مثال على أهمية وضرورة تمكين الشباب. هو دورهم المهم في تعزيز السلام والمصالحة الوطنية والتعافي الاجتماعي في “رواندا” عقب الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص قبل ثلاثين عاماً
وللإنصاف فإن عدم الثقة بالشباب وتهميشهم هي مشكلة عالمية. وهذا ينعكس من خلال قرار مجلس الأمن “2250” حول الشباب والسلام والأمن. والذي يُمثِّل اعترافاً بمشكلة الشباب العالمية في ضعف الثقة بهم وقلة المساحة التشاركية المتاحة لهم. واعترافاً آخر حول أهمية دورهم وضرورة إشراكهم وتمكينهم لخيرهم وخير بلدانهم.
وأبرز مثال على أهمية وضرورة تمكين الشباب. هو دورهم المهم في تعزيز السلام والمصالحة الوطنية والتعافي الاجتماعي في “رواندا” عقب الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص قبل ثلاثين عاماً. ولكن دورهم الإيجابي هذا ما كان ليتحقَّق لولا عملية توعيتهم وتأهيلهم ومن ثم تمكينهم وإشراكهم. فقبل عقود انخرط الشباب بشكل كبير في عمليات الإبادة نتيجة لاستغلال جهلهم حينها.
فهل يكون عمل الحكومة على تسهيل وتيسير المبادرات والتجمعات الشبابية بمثابة حل مثالي للجميع؟ فهو ليس إشراكاً مباشراً للشباب بما يتعارض مع تخوُّف الحكومة من قلة خبرتهم وغيرها. وبنفس الوقت يمثل تدريباً ومساحةً كافيةً نسبياً للشباب للمشاركة والمبادرة والعمل المدني. وأيضاً سيكون مكسباً كبيراً لمنظومة المجتمع المدني والبلد. وعسى ألا يتأخر اليوم الذي نقول فيه للشباب والمجتمع : مبروك ثقة القيادة.