أحمد بريمو وهبة الحجي ينسحبان من الشأن العام .. خطاب التحريض يقمع حرية التعبير
انفجار خطاب التحريض والشتائم يسكِت أصوات الناشطين .. جيوش إلكترونية لقمع الحريات

أعلن الناشطان “أحمد بريمو” و”هبة الحجي” انسحابهما من العمل في الشأن العام السوري على وقعِ ما يتعرضان له من هجوم وشتائم بسبب مواقفهما خلال الفترة الحالية.
سناك سوري _ دمشق
البداية من “بريمو” الذي نشر أمس عبر فيسبوك بيان اعتذار وانسحاب، قال خلاله أنه اتخذ قرار الابتعاد عن الشأن السوري بالكامل والتخلّي عن حقه في الحديث أو التعليق على أي أمر يخصه عبر حساباته الشخصية.
أحمد بريمو .. الإرهاق بمواجهة خطاب التحريض
وأوضح مؤسس منصة “تأكد” منذ عام 2016، أن المنصة تضم حالياً موظفين ومتطوعين ومدير جديد، بينما ستقتصر مهامه على الجوانب الإدارية والاستشارية، متمنياً ألّا يتم الربط بين ما تنشره المنصة وبين شخصه.
وتابع “بريمو” أنه خاض في الشأن العام حباً ببلده، لكن من وصفهم بـ”حدثاء الأسنان والمتطرفون في المواقف”، الذين لا يرون أي مشهد إلا عبر عدسة الطائفة أو القومية أو الدين، إلا أن يحوّلوه لخصم ويقنعوا أنفسهم أنه ينافسهم على المناصب.
وأشار “بريمو” إلى أن كثيرين مثله يشعرون بحجم الإرهاق وربما القرف من الواقع الذي وصل إليه السوريون، نتيجة الانفجار الهائل لخطاب التحريض منذ هروب “بشار الأسد”، وما تبعه من سيل جارف من الكراهية والإقصاء والتهديد والاتهام، حتى تحوّل الفضاء الرقمي السوري إلى ساحة صراع وتصفية حسابات واغتيال مادي ومعنوي، بدل أن يكون مساحة تضامن وتواصل وفق حديثه.
وختم بأنه لم يعد قادراً على المواصلة في هذا الجو المسموم الذي بات يؤثر على حياته وحياة من يحبهم.
هبة الحجي .. الوجع الأكبر شتم أبي الراحل
الناشطة “هبة الحجي” أعلنت أيضاً انسحابها من الشأن العام السوري بعد 14 عاماً من العمل فيه، وقالت أنها تعلّمت أن الشعارات قد تكون كذبة كبيرة، مشيرة إلى وجود تيارات مثل “التيار النسوي السوري” ظهر أنها واجهة مليئة بالنفاق على حد قولها.
وأضافت أنها رأت بعينها الخذلان والإقصاء والتهميش، لكن الوجع الأكبر وفق حديثها كانت حينما سمعت أحداً يشتم أباها الراحل، وشعورها أنها كانت السبب في ذكر أبيها ضمن هذا السياق ما جعلها تعيش بتأنيب لا يوصف.
وأكّدت “الحجي” أن انسحابها ليس ضعفاً ولا يأساً بل هو قرار واعٍ لتحمي نفسها وأهلها وذكرى أبيها من أي إساءة إضافية، وأضافت أن انسحابها من الشأن العام لا يعني توقفها عن العمل والعطاء من أجل سوريا ولكن بطريقتها وفي المكان الذي تستطيع فيه أن تكون صادقة مع نفسها وبلدها وفق حديثها.
خطاب الكراهية والاغتيال المعنوي
تعرّض “بريمو” لهجمات وانتقادات واسعة في أكثر من مناسبة بسبب ما ينشره تحديداً عبر منصة “تأكّد” المختصة بالتحقق من الأخبار المضللة، فيما كانت “الحجي” تواجه انتقادات وشتائم بسبب مواقفها النسوية لا سيما حديثها عن خطف النساء.
حيث يواجه الناشطون الذين لا يتخذون مواقف “شعبوية” ترضي المزاج العام لجمهور فيسبوك، حملات من التخوين والشتائم والتهديد والوعيد، في خطابٍ ارتفعت حدته بوضوح خلال الفترة الماضية بعد 8 كانون الأول 2024.
وتحوّل “الفيسبوك السوري” في معظمه إلى ساحة للتحريض والكراهية والدعوة للعنف وتنظيم حملات من الشتائم تستهدف ناشطاً/ة بعينهم بسبب موقفٍ من قضية ما، حتى أن موجات التحريض هذه وجدت انعكاساً على الأرض ولعبت دوراً في إشعال الأجواء خلال محطات مثل “مجازر الساحل” و”أحداث السويداء”، إذ تحوّل “فيسبوك” إلى منبر تحريض طائفي وتمجيد للعنف ودعوة للمزيد من القتل.
في حين، لم تتحرك السلطات السورية تجاه محاسبة ناشري الخطاب الطائفي التحريضي رغم أن نسبة منهم يستعملون أسماءهم الصريحة وصورهم الواضحة، مقابل وجود أعداد كبيرة من الحسابات الوهمية التي تشارك بقوة في حملات التحريض والشتم باسم الدفاع عن السلطة، علماً أن قانون “جرائم المعلوماتية” الذي تم استعماله في حالات محددة ضد مهاجمي السلطة، يجرّم الخطاب الطائفي والتحريضي إلا أنه غاب عن محاسبة الآلاف من أصحاب الحسابات المختصة بالتحريض والشتم والتهديد.
ويبدو انسحاب الناشطين الذين تمسّكوا بالعمل في الشأن العام على مدار سنوات الثورة، ولم يظهروا يأساً من الاستمرار رغم كل التحولات السياسية خلال السنوات الماضية، مؤشراً على تدهور في شكل الوسط السوري العام ونوعاً آخر من خنق حرية التعبير باستعمال جيوش إلكترونية مختصة بالتهديد والشتم والتخوين، ما يشكّل خيبة أمل لكثيرين رأوا في سقوط النظام السابق فرصة لاستعادة الفضاء العام وفتح هامش الحريات وانتزاع حق السوريين في التعبير عن آرائهم دون تحريض أو دعوة للعنف.