أبو أحمد.. يرفع يده بباقة أزهار النرجس ورأسه بأبنائه الجامعيين
أبو أحمد.. بائع النرجس في اللاذقية يبيع بحب وينتظر المشاركة بإعمار سوريا بحماس

على تقاطع 4 مفارق بحي الزراعة بمدينة اللاذقية، يقف العم “أبو أحمد” رافعاً يده بباقة من أزهار النرجس، يبيع الواحدة منها بـ5 آلاف ليرة، وينتظر طويلاً أحد المشترين القلائل الذين يمتلكون ما يكفي من المال لشراء كماليات مثل الأزهار هذه الأيام.
سناك سوري-داليا عبد الكريم
“أبو أحمد” ذاته أخبر “سناك سوري”، أنه ورغم محبته للأزهار إلا أنه لن يفكر بشرائها من أي بائع جوال، وهذه الفكرة ترعبه لكنه لا يحب أن يضحك على نفسه وهو يدرك بأن معظم السوريين اليوم مثله، بحاجة لما يسد الرمق.
ملامح وجهه الطيبة التي تعلوها أخاديد كثيرة، كانت لتكون هدفاً مغرياً لأي كاميرا، لكن العم الذي رفض تصويره ممازحاً بأنه “لا يحب الشهرة”، سرعان ما أخبرني أن لديه 5 أبناء اثنان منهما في الجامعة، معلوماتية وهندسة زراعية، وآخر يعمل في مطعم للوجبات السريعة، وأخرى خريجة تربية قسم معلم صف متزوجة، وابن أخير مايزال في الثانوية، وهو لا يريد أن يسبب لهم أي “حرج” من تصويره على حد تعبيره.
يكابد الرجل كثيراً لتأمين عدة آلاف من الليرات، يقدمها مساء لأبنائه في محاولة منه لمجاراة أجور المواصلات المرتفعة الجديدة، فكل واحد من أبنائه يحتاج يومياً نحو 30 ألف ليرة، أي ثمن 6 باقات من النرجس، كلّفته جهداً كبيراً بالبحث عنها وقطفها من أحراج قريته.
بائع النرجس لديه 5 أبناء اثنان منهما في الجامعة، معلوماتية وهندسة زراعية، وآخر يعمل في مطعم للوجبات السريعة، وأخرى خريجة تربية قسم معلم صف متزوجة، وابن أخير مايزال في الثانوية
“أبو أحمد” يأتي كل يومين إلى هذا المكان منذ نحو العامين، ويرى في موسم “النرجس” فرصة للعمل، فهو يقطف الأزهار من الطبيعة حيث يعيش في “صلنفة”، ثم يجمعها بباقات صغيرة ويجاهد في رفعها أمام السيارات والمارّة علّ أحدهم يقترب ويشتري، «لما بتصير الدنيا المسا وبيحين وقت الرجعة، بقدم الباقات هدية لكل يلي بشوفن عالطريق، لأن الورد بيدبل وما بحب ارميه ولا رجعه عالضيعة، عنا منو كتير»، يقول الرجل.

ولأزهار النرجس مكانة كبيرة لدى السوريين، الذين يتخذون من حديث النبي “محمد” (ص) حوله عبرة، ويحبّ كثر منهم أن يشمّه ولو مرة واحدة خلال العام، وفق الحديث النبوي، الأمر الذي يؤمن به “أبو أحمد”، ويقول إنه لطالما منح زهرة أو باقة لمن لا يستطيع دفع ثمنها أو لديه أولويات أخرى أهم، “الجميع لازم يشم النرجس ولو مرة وحدة كل سنة”، قالها بكل ثقة، بينما يده الممدودة بالباقة لا تهوي كأنما تخشبّت من طول انتظار المشترين.
“أبو أحمد” ورغم سنوات عمره التي يجب أن تفرض عليه الراحة والاستجابة لمحظورات التقدم بالسن، ينتظر بفارغ الصبر بدء إعادة الإعمار كما أخبرني، حيث تعود “الحركة والبركة” ويجد عملاً له في البناء الأمر الذي يجيده والمهنة الوحيدة التي يتقنها منذ كان شاباً، ولن يمانع العمل والجهد ولن يخذله جسده، بدا واثقاً جداً وهو يخبرني عن حماسه بعودة الحياة إلى البلد مجدداً.