وظائف بلا ضمانات: شباب سوريون يواجهون مصيراً غير آمنٍ
فرص عمل الشباب بالاقتصاد الموازي.. حل مؤقت أم أزمة متفاقمة؟

قرر “حسين جركس” التخلّي عن فكرة الدراسة بعد نيله الشهادة الثانوية العام 2024 الفائت، لأسباب تتعلق بظروف الحياة وتكاليف الدراسة التي لا يحبها أساساً، فاختار البحث عن عمل، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة أبداً.
سناك سوري-داليا عبد الكريم
طيلة صيف العام الفائت و”حسين” يحاول إيجاد أي فرصة عمل، لكن دون جدوى، فالفرص قليلة جداً حيث يعيش في محافظة اللاذقية، وبعد طول عناء وجد عملاً في مغسلة سيارات براتب ضئيل جداً لا يتجاوز 25 ألف ليرة يومياً، لكنه يعمل جاهداً على أن يكفي مصاريفه ويساعد عائلته بجزء منه على قلته، كما يقول لـ”سناك سوري”.
لطالما حلم الشاب أن يعمل في تصليح الأدوات المنزلية، وفي طفولته كان يفكّها ويعيد تركيبها كثيراً، لكن الظروف لم تتح له بعد العمل بما يحب، فهو كأي شاب سوري آخر، يعاني من البطالة وقلّة فرص العمل، ما أجبره على اختيار أي عمل يعثر عليه.
ويعتبر العمل في مغسلة سيارات وسائر الأعمال المشابهة أحد أنواع الاقتصاد الموازي، الذي يعني كافة الأنشطة التي لا تدخل في حسابات الناتج المحلي للبلد، ولا تندرج في الدخل القومي، كذلك لا تخضع للضرائب، وتشير التقديرات إلى أن 30% من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية، و70% من عمالها خارج الاقتصاد الرسمي، وفق هارفارد بزنس ريفيو.
لا يمكن لأعمال الاقتصاد الموازي أن تكون حلاً، كما أن وجودها وانتشارها هو تعبير عن مشكلة انخفاض الأجور، وعدم استقرار بيئة الأعمال. عشتار محمود – مسؤولة القسم الاقتصادي في جريدة قاسيون
أعمال حرة لتأمين تكاليف الدراسة
يلجأ العديد من الشباب والشابات إلى الأعمال التي تندرج تحت مظلة اقتصاد الظل، كونها الأكثر انتشاراً بالمجتمع، وغالباً ما تعتمد على الموهبة أو الجهد البدني، كما أنها تريح العاملين بها من مسألة دفع الضرائب، ما يسهل على البعض منهم اعتمادها للحصول على دخل يساعد في إتمام الدراسة والانطلاق لاحقاً بعد التخرج إلى العمل الأكاديمي.
كحال الطالبة بكلية الحقوق، “ندى عمر” 19 عاماً من مدينة “درعا”، والتي قررت العمل بمجال صناعة الحلويات لتؤمّن مصاريف دراستها بعد الظروف القاسية التي تعرضت لها عائلتها عقب وفاة والدها، كما قالت لـ”سناك سوري”.
لكنّ الأمر لا يخلُ من بعض التحديات، وحتى بغياب دفع الضرائب، فإن الشابة ملزمة بتكبد مصاريف أخرى نتيجة سوء وضع الخدمات العامة، فبغياب الكهرباء وجدت نفسها مضطرة للحصول على منظومة طاقة شمسية. وبالتالي خسارة جزء ليس بالقليل من دخلها غير الكبير.
الشباب مثل الطلاب ربما يحتاجون إلى أعمال بأوقات جزئية أو إلى العمل عبر الانترنت، وجميع هذه الأعمال هي نماذج موجودة عالمياً ويمكن تنظيم عقود لها عشتار محمود – مسؤولة القسم الاقتصادي في جريدة قاسيون
وعلى الرغم من غياب الاحصائيات الرسمية حول عدد العاملين بالاقتصاد الموازي في سوريا، إلا أن العمل فيه بات أكثر استقطاباً للشباب الباحثين عن عمل بظل ندرة الفرص الحالية، وارتفاع الضرائب التي كانت حكومة النظام تفرضها، ما أدى لعزوف كثير من الشباب عن البدء بمشاريع خاصة خوفاً من الضرائب من جهة، ونتيجة الركود الكبير وتراجع القدرة الشرائية لدى معظم السوريين، ما يزيد من فرص الخسارة وبالتالي خوف الشباب من تلك المغامرة.
لكن سلبيات الاقتصاد الموازي لا تتوقف عند حدود تضرر الاقتصاد الوطني وخزينة الدولة، بل تتعداه لتشمل حتى العاملين به، فتغيب الحماية الاجتماعية، ويستطيع صاحب العمل طرد موظفه متى أراد وبأي حجة دون أن يترتب عليه أي تبعات قانونية، وهذا عموماً ينتشر في القطاع الخاص أيضاً نتيجة فساد المحاكم، الأمر الذي أدى إلى الرغبة بوظائف الدولة التي تعتبر أكثر أماناً لناحية الراتب التقاعدي والتأمينات عموماً.
الاقتصاد الموازي: حل مؤقت أم أزمة متفاقمة؟
ترى مسؤولة القسم الاقتصادي في جريدة “قاسيون”، “عشتار محمود”، أنه بالعموم لا يمكن لأعمال الاقتصاد الموازي أن تكون حلاً، مضيفة لـ”سناك سوري”، أن وجودها وانتشارها هو تعبير عن مشكلة انخفاض الأجور، وعدم استقرار بيئة الأعمال.
على الرغم مما سبق، ترى “عشتار محمود”، أن تلك الأعمال وتحت قوة الأمر الواقع تتحول إلى ملجأ لتأمين الدخل.
وتضيف أن «مشكلة العمل في الاقتصاد الموازي أنه عمل دون أي ضوابط أو ضمانات، لا عقود وبالتالي لا أجر متوافق مع الحدود الدنيا ولا ضمانات لعدم الطرد، ولا ضمانات في حال وقوع حوادث عمل، وبالطرف المقابل هو عمل دون ضريبة أو رسوم وبالتالي هو خسارة لكل الأطراف المشتغلة والمال العام ولكنه ملجأً تحديداً لقطاعات الأعمال الصغيرة التي تعتمد فقط على انخفاض تكاليف العمل لاستمرار عملها».
ظاهرة ينبغي أن يسعى الجميع إلى إنهائها والدفع نحو تنظيم كل عقود العمل بجهود وضغط نقابات العمال
عشتار محمود – مسؤولة القسم الاقتصادي في جريدة قاسيون
ولا تتفق “محمود” مع الآراء التي تقول إن الاقتصاد الموازي قد يكون حلاً، وبعكس ذلك تقول إنه «ظاهرة ينبغي أن يسعى الجميع إلى إنهائها والدفع نحو تنظيم كل عقود العمل بجهود وضغط نقابات العمال، تحديداً في هذه اللحظة التي تستطيع فيها النقابات أن تمتلك المبادرة النقابية والسياسية».
العمل في الاقتصاد الموازي لا يقتصر على الشباب فقط بل على الجميع المهتمين بالبحث عن مصادر دخل إضافية في الظروف الحالية، وفق “محمود”، مضيفة أن الشباب مثل الطلاب ربما يحتاجون إلى أعمال بأوقات جزئية أو إلى العمل عبر الانترنت، وجميع هذه الأعمال هي نماذج موجودة عالمياً ويمكن تنظيم عقود لها كما يمكن في الظروف الحالية تقليل نسب ضريبتها للتحفيز على تنظيم هذا النوع من الأعمال التي تلعب دوراً هاماً في الاستفادة من الطاقات الشابة عبر إعطائها الفرصة للعمل المنظم إلى جانب الدراسة.
قد يكون الاقتصاد الموازي خياراً لا مفر منه للكثير من الشباب الباحثين عن دخل، لكنه يبقى حلاً هشّاً لا يقدّم ضمانات مستقبلية، في ظل غياب سياسات اقتصادية فعالة وبيئة أعمال مستقرة، سيستمر الشباب في البحث عن حلول مؤقتة بدلاً من بناء مستقبل مهني آمن، فهل يكون المستقبل في سوريا الجديدة أكثر إنصافاً لهم يوماً ما؟