هل أجّلت السعودية فتح سفارتها في دمشق؟ ومَن أذاع الخبر؟
تحليلات موقع لبناني تضلّل الرأي العام .. وصفحات تنقل السفارة السورية من الرياض إلى جدة!
لاقى خبر متداول عن إبلاغ “السعودية” لـ”سوريا” بتأجيل افتتاح سفارتها في “دمشق” انتشاراً واسعاً عبر وسائل التواصل دون تحديد المصدر الذي تم الاعتماد عليه.
سناك سوري _ دمشق
وسرعان ما تناقلت الصفحات الخبر على طريقة النسخ واللصق دون أدنى تدرجات التحقق أو التدقيق في محتواه. حيث جاء فيه أن “السعودية” أبلغت “سوريا” بتأجيل فتح سفارتها في “دمشق”. وأنه غير مرحّب بفتح السفارة السورية في “جدة” بسبب عدم التزام القيادة السورية بما تم الاتفاق عليه بين الرؤساء في القمة العربية.
ولم يلحظ ناشرو الخبر أن السفارة السورية أو سفارة أي دولة تكون عادةً في العاصمة. أي في “الرياض” وليس في “جدة”. وأن التمثيل الدبلوماسي للدول خارج عاصمة الدولة المعنية يكون عبر “قنصليات” وليس سفارة.
من أين بدأ الخبر؟
سناك سوري وباستخدام أدوات المستفسر الرقمي تعقّب الخبر المتداول للتحقق من مصدره. فتبيّن أنه جاء من خلال مقال نشره موقع “المدن” اللبناني. في مقال تحت عنوان “تحذير السعودية: تأزم يمتد من لبنان إلى سوريا … والدرة”.
المقال الذي يقوم على رأي كاتبه “منير الربيع” وتحليلاته. يربط بين نزاع إيراني مع “السعودية” و”الكويت” على حقل “الدرة” النفطي. وبين الوضع في “سوريا” ويقول أن الحماسة العربية لاستعادة العلاقات مع “دمشق” تراجعت. مشيراً إلى أنه لم يتم تعيين سفير سعودي جديد في “دمشق” ولم تفتتح السفارة.
ويخرج “الربيع” عن نطاق سرد الحقائق ليبدأ في التحليل بناءً على عبارة “تقول بعض المعلومات” دون تحديد مصدرها. ليسند إليها القول بأن “الرياض” أبلغت “دمشق” بأنها لن تعيّن سفيراً لها طالما أن الحكومة السورية لم تلتزم بتعهداتها. دون أن يوضح أيضاً ماهيّة التعهدات التي يقصدها.
الموقع ذاته نشر الخميس الماضي مقالاً نقل فيه عن مصادر من “دمشق” لم يسمّها أيضاً. حديثاً عن توقّف عمليات ترميم السفارة السعودية في منطقة “أبو رمانة”. دون توضيح ما إذا كان ذلك القرار مؤقتاً أو نهائياً بحسب المصادر. رغم أن المقال ذاته يعود ليقول أن مصادر سعودية أكّدت الخبر مقابل مصادر أخرى لم تجزم بدقة المعلومات.
لكن هذا الخلط بين الجانب التحليلي لكاتب المقال والجانب الخبري القائم على حقائق ملموسة. أدى إلى الخروج بصيغة تحمل تضليلاً للرأي العام بشكل أو بآخر. وذلك عبر سوق معلومات تخدم الفرضية التي وضعها المحلّل وتغييب المعلومات المناقضة لها.
تجاهل الحقائق لدعم نظرية تحليلية
في أواخر أيار الماضي وصل فريق فني سعودي إلى “دمشق” لمناقشة آليات إعادة فتح السفارة في “سوريا”. بعد إعلان الخارجية السعودية رسمياً آنذاك استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في “سوريا”. قبل أن تتوّج عودة علاقات البلدين بدعوة الرئيس “بشار الأسد” للمشاركة في قمة “جدّة” وحضوره الذي أنهى أكثر من 10 سنوات من القطيعة مع الدول العربية وفي مقدمتها “السعودية”.
لكن عدم حدوث خطوات جديدة على هذا الصعيد دفع بعض المحللين إلى بناء سرديات عن تدهور المسار. دون الأخذ بعين الاعتبار وقائع تناقض ذلك. مثل اللقاء الذي حدث يوم 25 تموز الماضي بين وزير الزراعة السوري “محمد حسان قطنا” ونظيره السعودي “عبد الرحمن الفضلي” على هامش أعمال قمة “الأمم المتحدة” للنظم الغذائية في “روما”.
أجواء اللقاء أظهرت ما يناقض تحليلات تعثّر المسار. حيث أعرب “الفضلي” عن سعادة بلاده باستئناف مشاركة “سوريا” في اجتماعات الجامعة العربية. مؤكداً متانة العلاقات السورية السعودية رسمياً وشعبياً. فيما وجّه له “قطنا” دعوة لزيارة “دمشق” ليردّ بالترحيب واستعداده لإجراء الزيارة في الوقت المناسب.
أما الحديث عن تراجع الدول العربية عن استعادة العلاقة مع “سوريا”. فيغفل أيضاً جانباً آخر من الأحداث. حيث حافظ مسؤولو الدول العربية على وتيرة زياراتهم ولقاءاتهم. وكان وزير الإدارة المحلية والبيئة “حسين مخلوف” يستقبل أمس القائم بأعمال السفارة الإماراتية بدمشق “عبد الحكيم النعيمي” الذي حرص خلال اللقاء على الإشارة إلى أهمية المشاركة السورية في قمة المناخ “كوب 28” التي تستضيفها “الإمارات” نهاية العام الجاري. ما يعكس مواصلة “أبو ظبي” ما بدأته من استعادة للعلاقة مع “دمشق” على كافة المستويات والصعد.
من جهة أخرى. قال مصدر دبلوماسي سعودي لـ سناك سوري أن “الرياض” لن تعود بالعلاقة مع “دمشق” إلى الخلف. لكنها لن تتقدم بها كذلك إلا بمقدار الخطوات السورية. مبيناً أن السفارة السعودية ستفتح أبوابها في “دمشق” وستستمر علاقات البلدين لكن تفاصيل العلاقة مرهونة بالخطوات المتبادلة في ظل استمرار التواصل بين الجانبين.
وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي ينشر فيها موقع “المدن” أخباراً مضللة دون تدعيمها بحقائق ومصادر حقيقية. فقد سبق له أن نشر خبراً عن اعتقال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق “عمرو سالم” بتهمة التجسس وضبط 800 مليون دولار في مزرعته. الأمر الذي سرعان ما تبيّن عدم صحته وأنه جاء في سياق التسييس الذي تتسم فيه مقالات الموقع.