مشاريع سوريّة… كل 400 مليون ليرة توفر فرصة عمل واحدة
وهم السياحة في سوريا… وأولويات الاقتصاد
سناك سوري – بلال سليطين
تبدو الأرقام التي يطالعنا بها مسؤولوا الحكومة السورية عن مشاريعهم من حيث الشكل مثيرةً للإعجاب، استثمارات بألف مليار ليرة في السياحة، 2500 فرصة عمل، استثمار محطة الحجاز كمشروع سياحي عبر بناء فندق ضخم وسط العاصمة دمشق..إلخ من مشاريع تصب في إطار الاقتصاد الخدمي.
لكن إجراء مراجعة بسيطة وسطحية وحتى من دون تخصص يدفع لطرح العديد من الأسئلة عن هذه المشاريع، أولها من هي الشريحة المستهدفة منها، فالمشاريع من هذا النوع تحتاج زبائن قادرين على الدفع وإذا نظرنا للأرقام فإن أكثر من 83% من السوريين تحت خط الفقر؟ فمن سيدفع لهذه المشاريع عند نهوضها مقابل الحصول على خدماتها؟ هل هو المواطن الذي لايملك قوت يومه أصلاً بالتأكيد لا.
بحكم التجربة فإن المشاريع السياحية من هذا النوع لا تنهض بسرعة، وقد يقول قائل ربما تحتاج عدة سنوات وتكون مشاريع للمستقبل، وأيضاً من حيث الشكل يبدو هذا التبرير منطقياً إذا أخذناه بشكل مجرد، لكن إذا وضعنا المشاريع في السياق السوري فإنه قبل كل شيء نحتاج الإجابة على سؤال ماهو شكل الاقتصاد السوري الحالي وكيف سيكون شكل الاقتصاد السوري مستقبلاً وعلى ماذا يعتمد؟ وسؤال آخر ماهي أولويات الاقتصاد والنفقات حاليا.
لا أخترع شيئاً إذا قلت أن “السياحة أول من يتأثر بالحروب، وآخر من يتعافى” فهذه المقولة يدركها أقل العارفين في الاقتصاد وأضعف المهتمين بالسياحة، وأدنى الباحثين خبرة، وبائع المثلجات في الكشك بالقرب من الشاطئ البحري.
اقرأ أيضاً: تحدي الموت جوعاً أو بالكورونا – بلال سليطين
أيضاً هذه المراجعة ليست لبث الروح السلبية، وليست للقول توقفوا عن الاستثمار والعمل وانتظروا نهاية الحرب، بل هي للتساؤل هل توجه الاستثمار هذا صحيح؟ وهل هو ما نحتاجه؟ وو.. إلخ.
دعونا نتخيل اليوم أن الحرب توقفت تماماً، وأن حدود سوريا كلها فتحت مع العالم وأصبح كل إنسان بمقدوره أن يأتي إلى سوريا بما في ذلك السوريين بالخارج؟والسياح؟ فهل سيأتي السياح إلى سوريا؟.
هو سؤال لا يمكن إعطاء إجابة حاسمة فيه إطلاقاً؟ لأن السواح أنواع، لكن معظمهم يسوح ليرفه عن نفسه ويرتاح وبالتالي لن يسعى لزيارة دولة خارجة من حرب ومستوى الخطر فيها مازال في حدود عالية بالنسبة للسائح، ويحتاج تطمينات عديدة تقديمها له يحتاج سنوات؟ وهناك نوع من السواح يهتم بسياحة مابعد الحروب، لكن تحديد نسبة هؤلاء ليست سهلة، وكذلك المشاريع السياحة التي يجب أن تحضر لهم لتحفيزهم على الزيارة مختلفة تماما عن فندق على شاطئ المتوسط مثلاً، فهم مهتمون على سبيل المثال بزيارة أنفاق داعش؟ التعرف على مقراتهم؟ اكتشاف المجهول؟ الدمار …إلخ.
لدينا تجربة مؤخراً من لايراها فهو أعمى، عندما فتحت الحدود الأردنية السورية، تهافت الأردنيون نحو سوريا بأعداد مقبولة نسبياً، بعضهم كان مشتاقاً لسوريا ولديه علاقات قرابة وهو أساساً قبل الحرب كان يتردد كثيراً على سوريا، وبعضهم جاء للاطلاع على سوريا مابعد الحرب بداعي الفضول والمغامرة (ونسبتهم متدنية جداً)، لكن غالبيتهم الساحقة جاءت إلى سوريا لشراء البضائع السورية، وكانوا يعودون من سوريا محملين حتى بالخضار والفواكه، وفيما بعد هبطت معدلات الزيارات إلى سوريا وأصبح غالبية سائقي السيارات يأتون منفردين يملؤون سياراتهم ويعودون في الليلة ذاتها.
اقرأ أيضاً: سوريا… التدهور بعد الانتصار – بلال سليطين
بالطبع لايمكن تعميم التجربة الأردنية على كل التجارب التي من الممكن أن تنفتح على سوريا لكنها تعطي ملامح الإجابات على ما الذي يريده القادمون إلى سوريا منها؟ هل يريدون السياحة أم المنتجات، وعلى فرض أراد بعضهم السياحة ماذا تبقى لدينا من منتجات لتقدم له؟.
إن هذا التوجه الحكومي الحالي نحو الاستثمار السياحي أشبه بالانتحار الاقتصادي، وأولاً علينا أن نجيب على سؤال ما هو شكل الاقتصاد السوري القادم؟ وهذا السؤال يحتاج نقاشاً سوريا يرتقي ليكون حواراً وطنياً، والإجابة على السؤال الثاني ماهي الاستثمارات التي تحتاجها سوريا الآن؟ والسؤال الثاني سهل الإجابة جداً: فآخر ما تحتاجه سوريا الآن هو الاستثمار بغير الانتاج، إن حاجتنا واضحة ودقيقة لاستثمارات في القطاع الانتاجي بمختلف المجالات بما فيها الانتاج الزراعي، لقد سمعنا كثيراً وأنهكت آذاننا من الاستماع للحديث عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة ولكننا لم نراها، وفجأة الآن سنرى مشاريع بآلاف المليارت لتخدم سياحاً لا أحد يعلم متى سيأتون إلى سوريا، ونسمع عن 2500 فرصة عمل بألف مليار ليرة سورية أي أن كل 400 مليون ليرة سورية تقريباً توفر فرصة عمل واحدة، فهل دفع 400 مليون ليرة لتوفير فرصة عمل يعد مشروعاً أو نجاحاً في أيامنا هذه!؟
اقرأ أيضاً: الصحوة الحكومية وخطر النكسة – بلال سليطين