أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

قانون جرائم المعلوماتية لا يستثني الصحفيين من تهمة النيل من هيبة الدولة

برلمانية أكّدت أنه لا يؤثر على الحريات الصحفية.. قانون بتُهم فضفاضة وأحكام مزاجية

أعادت حادثة توقيف الصحفي السوري “علي داؤود” مؤخراً الحديث عن قانون جرائم المعلوماتية مجدداً ودوره في تقييد الحريات الصحفية تحت مسمّى “النيل من هيبة الدولة”.

سناك سوري _ دمشق

ورغم الإفراج عنه بعد أكثر من أسبوع على التوقيف. إلا أن اللافت في قضيته هو أن حجز حريته جاء على خلفية كتابته لمنشور عبر فايسبوك. انتقد فيه رفع أسعار المحروقات، وهو أمر أثار انتقادات آلاف السوريين على وسائل التواصل. لكن الناشط الصحفي وجد نفسه تحت سيف قانون جرائم المعلوماتية. على اعتبار أن ما يقوله قد يدخل في بند “وهن عزيمة الأمة”.

قانون جرائم المعلوماتية

في 18 نيسان 2022. صدر قانون الجرائم المعلوماتية رقم 20. الذي جاء كإعادة تنظيم للقواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية للقانون رقم 17 للعام 2012.

وبحسب نص الإعلان عن القانون. فإنه جاء ليتوافق مع التطور التقني الحاصل، وارتفاع نسبة انتشار الجريمة المعلوماتية في المجتمع وحماية للمصالح القانونية. وتنظيم الحرّيات في العالم الافتراضي والحد من إساءة استعمال الوسائل التقنية.

القانون الذي تمّ العمل عليه لمدة عام من قبل وزارة الاتصالات بالتعاون مع وزارتي العدل والداخلية. استحدثَ مواداً أثارت الجدل بسبب ضبابيتها واحتوائها على اتهاماتٍ فضفاضة لا تملك معايير واضحة تجعلها قابلة للقياس ومن الممكن التحقّق من انطباقها على الشخص المتهم بها أم لا.

معاقبة كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات. بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية. بالسجن من 3 إلى 5 سنوات وغرامة من 5 إلى 10 ملايين ليرة.  قانون جرائم المعلوماتية

 

ولعل أبرز تلك المواد وأشهرها. هي المادة 28 من القانون تحت عنوان “النيل من هيبة الدولة”. وتنص على معاقبة كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات. بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية. بالسجن من 3 إلى 5 سنوات وغرامة من 5 إلى 10 ملايين ليرة.

لتلحق بها المادة 29 المعنونة بـ”النيل من مكانة الدولة المالية”. وتنص على «يعاقب بالسجن المؤقت من 4 سنوات إلى 15 سنة وغرامة من 5 ملايين إلى 10 ملايين ليرة. كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة. بقصد إحداث التدني أو عدم الاستقرار أو زعزعة الثقة في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة في النشرات الرسمية».

ولا توضح المادة في نصّها ولا في بقية مواد القانون معنى عبارة “النيل من هيبة الدولة” أو “مكانة الدولة المالية” بوضوح. ما فتح الباب أمام مزاجية في تحديد الكلام الذي ينال من هيبة الدولة دون سواه. إضافةً إلى أن معاقبة الشخص بتهمة إنشاء موقع أو صفحة بقصد إحداث التدني في العملة المحلية. يعني تحديد نيّته ومحاسبته عليها وهو أمر لا يمكن تحديده بوضوح وإثباته بالدليل الحسّي ما يجعل المادة أيضاً ضبابية وتهمتها فضفاضة تطبّق حيناً وتترك حيناً.

«يعاقب بالسجن المؤقت من 4 سنوات إلى 15 سنة وغرامة من 5 ملايين إلى 10 ملايين ليرة. كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة. بقصد إحداث التدني أو عدم الاستقرار أو زعزعة الثقة في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة في النشرات الرسمية». قانون جرائم المعلوماتية

تقييد الحريات الصحفية

من جانبٍ آخر. فقد تحوّل القانون بعد إقراره إلى سيفٍ مسلط على الصحفيين والناشطين يقيّد حرياتهم ويلعب دور الرقيب الدائم على كلماتهم دون أن يعرفوا في أي لحظة سينقضّ عليهم.

رغم أن مقررة لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس الشعب “غادة إبراهيم”. قالت خلال مناقشة القانون قبل إقراره أنه لا يهدد حرية الصحافة والإعلام ولا يتعارض مع أي قانون آخر. مضيفة في حديثها لصحيفة “الوطن” آنذاك أن مشروع القانون جاء لتنظيم “الميديا”. الأمر الذي أكّده أيضاً نقيب المحامين “الفراس فارس” حين قال أن القانون لا يؤثر في الحريات الفردية إنما هو وسيلة لتنظيمها بحيث لا تضر بالآخرين من أفراد ومؤسسات الدولة.

إلا أن الشروع بتطبيق القانون أظهر كيف تحوّل إلى تهديد أساسي للصحفيين والناشطين. سواءً من خلال اتهامهم بـ”النيل من هيبة الدولة” أو ارتكاب جرائم “القدح والذم” الإلكتروني اللتين يعاقب عليهما القانون ويشدّد عقوبتهما في حال وقوعهما على موظف عام أثناء ممارسة عمله أو بسببه.

يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة من (300,000) ل.س ثلاثمئة ألف ليرة سورية إلى (500,000) ل.س خمسمئة ألف ليرة سورية كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بذمّ أحد الناس بشكل علني على الشبكة، وتشدد العقوبة لتصبح الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من (500,000) ل.س خمسمئة ألف ليرة سورية إلى (1,000,000) ل.س مليون ليرة سورية إذا اقترف الذم بحق المكلف بعمل عام أثناء ممارسته لعمله أو بسببه. المادة 24 قانون جرائم المعلوماتية

وقد أسهم هذا التهديد والتشدّد في انكفاء كثير من الصحفيين عن الكتابة عن الفاسد والفاسدين خوفاً من أن يعتبر كلامهم نيلاً من هيبة الدولة أو قدحاً وذمّاً بموظف عام.

لا سيما وأن العديد من الصحفيين تعرّضوا منذ إقرار القانون للتوقيف والسجن باسمه. ولم يطبَّق عليهم قانون الإعلام الذي لا تحتوي مواده على عقوبة السجن. بل اعتبر حديثهم على وسائل التواصل منفصلاً عن عملهم الصحفي ولم ينظر لهم كصحفيين بل كمستخدمين عاديين لمواقع التواصل الاجتماعي. وبالتالي تم تطبيق قانون جرائم المعلوماتية عليهم.

ولم تكن حادثة “علي داؤود” الوحيدة من نوعها. إذ سبق وأن أعلن الصحفي “رضا الباشا” عن إقامة 3 دعاوى جرائم إلكترونية بحقه. في وقتٍ واحد وفي أماكن مختلفة بالتزامن مع حديثه عبر فايسبوك عن محطة وقود في “حلب” متورطة بسرقة مخصصات البنزين. وتهريبها إلى مناطق سيطرة الفصائل المسلحة بريف المحافظة. مشيراً إلى أن صاحبها يزعم أنه مدعوم من شخصيات نافذة في “دمشق”.

أما الناشط “رامي فيتالي” فوجد نفسه قيد التوقيف لمدة 6 أشهر بسبب منشور قديم تحدّث فيه عن تعرّض طفل للتعنيف في أحد أقسام الشرطة في “اللاذقية”. ليتم اتهامه إثر ذلك بالإساءة لوزير الداخلية. فضلاً عن حالات أخرى استدعيت أو حوكمت بموجب القانون مثل الناشط “عبد اللطيف البني”. ومدير مكتب صحيفة البعث في “طرطوس” “وائل علي”. والصحفي “صهيب مصري” وغيرهم.

إعادة نظر

يحتاج قانون جرائم المعلوماتية إلى إعادة نظر حقيقية في جدواه والهدف منه، ومدى تعارض جوهر تطبيقه مع الحريات التي يحميها الدستور. ومع قانون الإعلام الذي يعتبر النصّ القانوني الأساسي في التعامل مع الصحفيين ومقاضاتهم.

كما أن التباس بعض مواد القانون وغياب المعايير الواضحة عنها يفتح الباب أمام سوء تطبيقه بل وتحويله إلى أداة ابتزاز وتهديد، ويزيد من مخاوف الصحفيين والناشطين من أي نقدٍ أو إشارة لفساد أو مكمن خطأ.

زر الذهاب إلى الأعلى