الرئيسيةسناك ساخر

فصيل التطبيل: درع حماية السلطة من الانتقادات والذاكرة القصيرة!

حرية التعبير مشروطة بنسخة قديمة من رأيك

منذ سقوط نظام الأسد في شهر كانون الأول الماضي، برزت على السوشيل ميديا ظاهرة رقمية مثيرة للاهتمام تصلح لأن تُدرّس في أقسام الإعلام والتكنولوجيا السياسية، تحت اسم “فصيل التطبيل الرقمي” المشابهة في مضمونها لكتيبة “العصافير تزقزق” بزمن النظام الماضي.

سناك سوري-مُراقَب عالخفيف

هذا الفصيل لا تتبناه أي جهة رسمية، لكن أداءه منظم، ردوده تقريباً واحدة وسلاحه الفتاك هو التعليق الجماعي، ولا أنها تحتاج لتدريب حقيقي، كل ما يلزم هو اتصال إنترنت متوسط السرعة، وصورة بروفايل فيها علم، أو زوم إن على شعار الدولة، وبيجوز صورة “أبو الهول” لسبب غير معروف.

وظيفة الفصيل بسيطة جداً باختصار تبدأ المهمة مع نشر أي انتقاد حتى لو كان ناعماً، وأي اقتراح تحسين لشيء ما.

حيث يتدفق السرب على المنشور، شتائم ومسبات وتبريرات وإخراج النقد عن سياقه والزج بموضوع آخر ومحاولات تمييع الموضوع وتخوين ومحاصرة الشخص والمهم فقط هو أن يتم إسكاته وإشغاله بحيث لا يتجرأ مرة أخرى على النقد ويحذف منشوره. وفي حالات العجز عن القمع بالهجوم المنظم يتم اللجوء لهجمات من نوع أنت سلبي، عم تشوش عالمسار و”وين كنت من 14 سنة” ولا يخلو الأمر من البحث في الماضي الرقمي لصاحب الرأي المنتقد، وبما أن ذاكرة الفيسبوك تحفظ كل شيء، فهناك دائماً منشور من 2013 ممكن إخراجه عن سياقه، ليصبح دليل إدانة قاطع على منشور في 2025. دليل يناقض مفهوم الحرية التي دفع السوريين 14 عاماً من القتل والتهجير لنيلها.

أما في حال لم يجدوا شيئاً بالبحث، مباشرة يتم اللجوء إلى السلاح النووي “كان مع النظام بوقتها هلا كوّع؟”، أو “كنت مع النظام من قبل وعايش نفس الشي، هلا مابئا تصبر شوي؟”.

وهكذا نعيش في نفس الدائرة، أنت معارض إذاً خائن، أو مكوّع يعني منافق، وبحال كنت صامتاً من قبل وقررت أن تتحرر من عقدة الخوف كما تحررت سوريا من النظام، فأنت “متأخر ومالك لزوم وضل ساكت”، يعني باختصار، يا اصمت أو اهتف وما تنسى تحط لايك!.

دعونا لا نغفل أن فصيل التطبيل يملك قدرة تحليلية خارقة، يمكنها أن تربط بين منشور ينتقد الفساد في شركة كهرباء، وبين نظرية مؤامرة تم تمويلها من جزر المالديف، فقط لأنك استخدمت كلمة “معيب” ربما، كما تمتاز بسرعة الرد، حتى أنك تظن أن هناك رائحة من نوع ما لمنشورك المنتقد، بمجرد أن تنشره فوراً يدخلون.

والفرق بين كتيبة تطبيل الأمس وفصيل تطبيل اليوم، هو أن الأولى كانت تهاجم الحكومة من مبدأ: “هني فاسدين بس هو منيح” أما فصيل تطبيل اليوم فتمنع حتى ترف انتقاد المسؤولين من رتبة رئيس قسم فما فوق “كلن مناح بس الشعب ما بيسوى”!

أما أجمل ما في فصيل التطبيل، فهو احترافه في صناعة البطولات الرقمية، فإذا حذفت منشورك بعد هجومهم، يتباهون بإنجازهم وكأننا وصلنا إلى سنغافورة!.

بالمقابل، من ينتقد الحكومة الحالية بوثائق، بأدلة، بأسماء، لا يتم الرد على كلامه، بل يتم نبش أرشيفه بالكامل: “هاد كتب من 12 سنة إنه مو مع الثورة، فشو مفكر حالك؟ ما إلك حق تحكي!”، وكأن حرية التعبير فيها نظام نقاط، وإذا ما كنت مع الثورة من أول يوم، فليس من حقك اليوم أن تقول “في شي غلط”.

ربما عناصر فصيل التطبيل الرقمي، مقتنعون أن كل انتقاد خيانة، وكل سؤال استفزاز، وكل اختلاف في الرأي محاولة “لزعزعة الأمن”، لكن هناك فئة مؤمنة بأن الصوت الحر رح يضل يزعج البعض!.

في الماضي كنا أمام كتيبة “العصافير تزقزق” واليوم أمام فصيل “التطبيل” وفي كل يوم سيبقى صوت السوريين عالياً حراً لا تخيفة كتيبة ولا فصيل فهذه سوريا الحرة التي لا تعرفها ولا تريدها كتائب وفصائل العصافير تزقزق والتطبيل.

زر الذهاب إلى الأعلى