قال رئيس الحكومة، “حسين عرنوس”، في كلمته أمام البرلمان بالجلسة الاستثنائية المنعقدة حالياً. إن البعض ربما يرون بانعقاد هذه الجلسة أمراً خطيراً جداً. لكن الواقع يقول إن الخطورة هي الحالة الدائمة والسائدة منذ أن شنّ أعداؤنا حربهم على سوريا. على حد تعبيره.
سناك سوري-دمشق
وأضاف “عرنوس” وفق ما نقلت صفحة الحكومة الرسمية في فيسبوك، أن التحليلات والحسابات الاقتصادية التي تحدّث عنها الأعداء منذ بداية الحرب. «تشير إلى أنه كان يفترض أن تفلس الدولة السورية وأن تنهار اقتصادياً منذ عام 2012 لكن الدولة استمرت بمسؤولياتها الاقتصادية بمختلف القطاعات».
وذكر رئيس الحكومة القطاعات المقصودة، مثل سياسات التوظيف، والرواتب والأجور. إضافة للتعليم والتربية والصحة والكهرباء، والقمح والطاقة. بالإضافة إلى الاستمرار في تأمين الميزانية العسكرية. لافتاً أنه «قد لا يكون تأمين هذه المسؤوليات بالحدود القصوى لكنها بقيت مؤمنة بالإمكانات المتاحة».
واعتبر أن «الخطورة حقيقة لا تكمن في الظروف التي نعيشها بقدر ما تكمن في عدم قدرتنا على رؤية تلك الظروف وتحدياتها والتعامل معها. أو تكمن في رؤيتها ثم إنكارها وتجاهلها، وبالتالي الاستمرار بنفس السياسات دون أي تغيير وكأن شيئاً لم يكن».
“عرنوس”، قال إن “سوريا”، جزء من عالم تزداد فيه الأزمات عمقاً وقسوة، مثل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بكل الدول. والتي تتجسد بموجة حادة من التضخم وتراجع الانتاج وارتفاع تكاليف النقل وارتفاع الأسعار الذي تعاني منه كل اقتصادات العالم.
وتطرح للتحديات الذاتية، وقال إنها تضاف إلى ما سبق، «فحصول الزلزال المدمر فرض أعباءً جديدة على الدولة ومواردها القليلة، وارتفاع تكاليف استيراد مشتقات الطاقة، وارتفاع سعر الصرف والحصار الجائر على سوريا. واستمرار خسارة البلاد لأهم مواردها في النفط والزراعة في ظل احتلال شرقي سورية فإن المشكلة في سورية تصبح أضعاف أية مشكلة في أية دولة أخرى».
وأضاف أن الاجتماع اليوم مع البرلمان، ينطلق «من صعوبة التحديات التي تواجهنا وما تتطلبه هذه التحديات من تحركٍ في إطار سياسات وطنية. وأقول سياسات وطنية لأنها ليست سياسة خاصة بالحكومات، فعندما نطرح الخيارات والمقترحات فهي خيارات ذات بعد وطني ولا تعبر عن رؤية هذه الحكومة أو تلك. وهذه مسألة في غاية الأهمية يجب أن ننطلق منها حكومةً ومؤسسةً تشريعية».
وتأتي كلمة “عرنوس”، في جلسة البرلمان الاستثنائية لمناقشة الواقع المعيشي المتردي حالياً. وسبق أن قال نواب إنهم يتجهون لتقديم طلب استجواب للحكومة.
وإليكم النص الكامل للكلمة التي ألقاها عرنوس أمام مجلس الشعب السوري
قد يرى البعض أن انعقاد هذه الجلسة استثنائياً اليوم هو لأن الأمر خطير جداً، لكن الواقع يقول إن الخطورة هي الحالة الدائمة والسائدة منذ أن شن أعداؤنا حربهم على سورية، لا بل إن التحليلات والحسابات الاقتصادية التي تحدث عنها أعداؤنا منذ انطلاق الحرب قبل اثني عشر عاماً تشير إلى أنه كان يفترض أن تفلس الدولة السورية، وأن تنهار اقتصادياً منذ عام 2012 لكن الدولة استمرت بمسؤولياتها الاقتصادية بمختلف القطاعات: على مستوى سياسات التوظيف والرواتب والأجور والتعليم والتربية والصحة والكهرباء والقمح والطاقة، إضافة إلى الاستمرار في تأمين الميزانيات للمؤسسة العسكرية بعتادها وقواتها وقد لا يكون تأمين هذه المسؤوليات بالحدود القصوى، لكنها بقيت مؤمنة بالإمكانات المتاحة. والخطورة حقيقة لا تكمن في الظروف التي نعيشها بقدر ما تكمن في عدم قدرتنا على رؤية تلك الظروف وتحدياتها والتعامل معها أو تكمن في رؤيتها ثم إنكارها وتجاهلها، وبالتالي الاستمرار بنفس السياسات دون أي تغيير وكأن شيئاً لم يكن، إن لقاءنا اليوم تحت قبة مجلس الشعب لمناقشة الوضع الاقتصادي وسعر صرف الليرة السورية ينطلق من صعوبة التحديات التي تواجهنا وما تتطلبه هذه التحديات من تحركٍ في إطار سياسات وطنية، وأقول سياسات وطنية لأنها ليست سياسة خاصة بالحكومات، فعندما نطرح الخيارات والمقترحات فهي خيارات ذات بعد وطني ولا تعبر عن رؤية هذه الحكومة أو تلك، وهذه مسألة في غاية الأهمية يجب أن ننطلق منها حكومةً ومؤسسةً تشريعية.
منذ بداية الحرب على سورية ونحن نخوض غمار معركة فرضت علينا خيارات متناقضةً فيما بينها إلى أبعد الحدود، وكل خيار له ظروفه ونتائجه المناقضة للخيار الآخر. والآن نحن بحاجة لحوار يتسم بالواقعية والمنهجية وينطلق من توصيف التحديات بعقلانية بعيدة عن العواطف والتمنيات… السيدات والسادة أعضاء المجلس في ضوء الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي يشهدها اقتصادنا الوطني، ولا سيما في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدها سوق الصرف، اسمحوا لي أن أستعرض أمام مجلسكم الكريم بعض العناوين والمحددات المؤثرة في السياسة الاقتصادية وما يتعلق منها بسوق الصرف والسياسة النقدية على وجه التحديد والتوجهات الحكومية حيال صيغة التعاطي معها.
نحن جزء من عالم تزداد فيه الازمات عمقاً وقسوةً، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية التي تعصف بكل الدول، أزمة تتجسد بموجة حادة من التضخم وتراجع الإنتاج وارتفاع تكاليف نقله وارتفاع الأسعار، الذي باتت تعاني منه كل اقتصادات العالم دون استثناء، أما تحدياتنا الذاتية، وإضافة لما سبق من تحدياتٍ اقتصادية فإن حصول الزلزال المدمر فرض أعباء جديدة على الدولة ومواردها القليلة، وارتفاع تكاليف استيراد مشتقات الطاقة، وارتفاع سعر الصرف والحصار الجائر على سورية، واستمرار خسارة البلاد لأهم مواردها في النفط والزراعة في ظل احتلال شرقي سورية فإن المشكلة في سورية تصبح أضعاف أي مشكلة في أي دولة أخرى.
في السياسات تصبح الخيارات أصعب وأشد قسوة كلما كانت أكثر تناقضاً. واسمحوا لي أن أسوق مثالين صريحين حول ذلك الأمر: لقد عملنا خلال السنوات الماضية على لجم ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، كان ذلك واحداً من سياسات الدولة اقتصادياً، لكن قابل هذه السياسة انكماش وتراجع كبير في الإنتاج لنكون أمام معادلة صعبة.. هل نضبط سعر الدولار ونخسر الإنتاج أم نتبنى سياسة الإنتاج وتخفيف القيود عليه في مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار، أما المثال الثاني فهو استمرار الدولة في سياسة الدعم وما تكلفه هذه السياسة من أعباء مالية كبيرة لتحقيقها ويرافق ذلك هدر سببه الفساد الذي تولده سياسة الدعم. وقابَل هذه السياسة ارتفاع كبير في عجز الموازنة حتى أصبحنا نمول الدعم بالعجز وما يعنيه ذلك من مخاطر على الاقتصاد الوطني، كما أن تكاليف سياسة الدعم تنعكس ضعفاً في قدرة الدولة على تأمين المشتقات النفطية، ونقص المشتقات النفطية ينعكس نقصاً في توليد الطاقة الكهربائية، وبالتالي نقص في الإنتاج.
يتسبب برفع تكاليف التوريدات.
ب . فرض أعباء إضافية على المموَّلين من المنصة من خلال إلزامهم بدفع فوارق سعر الصرف بين لحظة تسليم الأموال بالعملة المحلية (أو بالقطع الأجنبي)، ولحظة إعادة تمويله بالقطع الأجنبي المطلوب للتوريدات، وهذا ما يحمّل التوريدات أيضاً أعباءً إضافية تنعكس بمجملها على المستهلك النهائي.
ت ـ تقييد مصادر التمويل ولا سيما الخارجية جرّاء التدقيق على مصادر التمويل وطلب الثبوتيات التي تبين مصدر هذا التمويل للتأكد من أنه تم من مصادر كفوءة وسليمة.
1ـ تخصيص القطع الأجنبي المتوفر تحت تصرف مصرف سورية المركزي لتمويل قائمة المواد الأساسية التي تم إقرارها في اللجنة الاقتصادية بشكل مباشر ودون أي تأخير ودون أي أعباء مالية ناتجة عن فروقات سعر الصرف، حيث يتم إقرار سعر الصرف وتحديد مكافئ المبالغ المسلمة من العملة المحلية بالقطع الأجنبي بشكل مباشر.
2ـ تحديد قائمة مواد ثانية يتم تمويلها عن طريق شركات الصرافة بمدة تأخير لا تتجاوز 15 يوماً وبهوامش تحرك سعر صرف محددة مسبقاً تضمن تخفيف الضغط عن الطلب على القطع الأجنبي في السوق، وتساهم في تلبية متطلبات الاستيراد بمعايير شفافة وواضحة وعادلة.
3ـ يتم تمويل بقية قوائم الاستيراد (والتي تشكل الجزء الأكبر من المواد المستوردة) من خلال مصادر التمويل الذاتية لدى المستوردين دون الحاجة للمرور عبر المنصة.
4ـ تمت إعادة تشكيل عضوية لجنة المنصة، بحيث تقتصر على حاكم مصرف سورية المركزي، وممثلي شركات الصرافة المرخصة أصولاً بشخصياتها الاعتبارية، تماشياً مع العمل المؤسساتي.
5ـ تم تحديد مدة عمل لجنة المنصة بعام واحد، وتقوم اللجنة بتقديم تقارير دورية إلى اللجنة الاقتصادية حول آلية عملها مع مقترحات تطوير الأداء، بما يضمن حسن سير العمل.
6ـ قامت اللجنة الاقتصادية بمراجعة قوائم الاستيراد واختصار ما يمكن منها، مع الإشارة إلى أن هذه القوائم تضم الحد الأدنى الممكن من متطلبات تلبية احتياجات النشاط الاقتصادي الوطني الاستهلاكي والإنتاجي، حيث تبيّن المعطيات استقرار قيم المستوردات (القطاعين العام والخاص) في السنوات الثلاث الأخيرة (2022،2021،2020) عند مستوى 4 مليارات يورو (تقريباً)، مع ميله للانخفاض عن مستويات العامين 2018 و2019، الأمر الذي يؤكد أن تغيرات سعر الصرف لا يمكن أن تُعزى إلى قيمة المستوردات فقط –مع تأكيدنا أنها ذات أثر جزئي على سعر الصرف- والتي تشكل (المستوردات) أولوية لحياة المواطن واستمرارية دوران العجلة الإنتاجية.
7ـ بحسبان أن تحديد سعر الصرف وقيمة العملة الوطنية ليست مسؤولية مصرف سورية المركزي فحسب، فقد تمت مخاطبة كل الوزارات بكتب رسمية مشفوعة بمصفوفات معطياتٍ واضحة نطلب فيها تحديد مصادر توليد القطع الأجنبي في البلد، والآليات المطلوبة لتحقيق ذلك، (ولا سيما في قطاعات السياحة، الثروة الجيولوجية والمعدنية، الصناعات الزراعية والغذائية وغيرها).
8ـ على التوازي مع هذه الإجراءات المالية والنقدية، تعكف الحكومة منذ ما يقارب الشهرين على دراسة سيناريوهات إدارة ملف الدعم الحكومية حرصاً على تحقيق هدفين في آن معاً:
الهدف الأول: تحقيق العدالة والكفاءة في تخصيص الدعم وضمان إيصاله إلى مستحقيه وتقييد مظاهر الهدر والفساد في تسويق هذا الملف.
الهدف الثاني: ضمان استدامة تمويل الخزينة العامة للدولة للإنفاق العام، حيث وصل الإنفاق العام إلى مستويات غير مسبوقة ولا سيما بسبب الإرهاق الذي تسببه بنود الدعم الحكومي، حيث تجاوز حجم الدعم الحكومي المطلوب بأسعار السوق الحالية ما يقارب 27,500 مليار ل.س، وهذا ما يعدُّ رقماً كبيراً جداً مقارنةً بإمكانات التمويل المتاحة لدى الخزينة العامة للدولة.
بناءً على ما سبق لا بد من التوجه نحو خيار عملي وواقعي بخصوص أسعار بعض السلع الرئيسية المدعومة لتحقيق الهدفين الذين سبق ذكرهما، مع الأخذ بعين الاعتبار انعكاس أي خيار على قدرة شريحة العاملين في الدولة. وهذا ما يحتاج منا اليوم لحوار متأنٍ وعاقل تحت قبة هذا المجلس.
ولن أتردد بالقول أمام مجلسكم الكريم، بأن ما يزيد من صعوبات اتخاذ قرارات إعادة هيكلة الدعم هو الفجوة الواسعة والكبيرة جداً بين مستويات أسعار المواد المدعومة من جهة، وتكاليف هذه المواد من جهة أخرى. إن معطيات الواقع قد تتطلب اتخاذ قرارات وإجراءات الهدف النهائي منها هو مصلحة الدولة والمواطن في نهاية المطاف. فاقتصاد الدول لا يدار بالعواطف والرغبات، وإنما يدار على أسسٍ من العقلانية والموضوعية والواقعية.
إن أصعب مشكلة اقتصادية تواجهنا هي في كيفية إدارة الفجوة بين الموارد المحدودة والاحتياجات غير المحدودة. ومن أهم سمات السياسات والبرامج التدخلية الاقتصادية، ولا سيما في ظروف الحرب هو مبدأ “ثنائية الأثر”. فكلّ قرار اقتصادي يتم اتخاذه قد يترافق بآثار جانبية تقلل من فعالية الغاية الرئيسة منه، أو أنه قد يترافق بخلق إشكالية، كبيرة أو صغيرة، في مكانٍ آخر في غير الموضوع الذي يستهدفه.
فعندما تتوجه الحكومة لضبط سعر الصرف، وتقييد السيولة في الأسواق حفاظاً على القوة الشرائية للعملة الوطنية وحفاظاً على المستوى العام للأسعار في البلد، سيترافق هذا التوجه مع انكماش في النشاط الاقتصادي وتقييد حركة قطاع الأعمال بشكلٍ أو بآخر.
وعندما يتم اتخاذ إجراءات تسهيلية لقطاع الأعمال، في مسعى لإطلاق النشاط الاقتصادي والسماح بحرية أوسع في تمويل المستوردات، ستترافق هذه الإجراءات بارتفاع في سعر الصرف، وبضغوط تضخمية ملموسة، ومن غير الطبيعي أن نتفاجأ بمثل هذه النتائج والآثار رغم حدتها.
وإذا كانت الحكومة تتحمل مسؤولية إدارة سوق النقد والسياسة المالية، فإنها ليست الفاعل الوحيد في هذه السوق. فكما تعلمون جميعاً تشكل مساهمة القطاع الخاص الجزء الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمساهمة القطاع العام. وكما ندرك جميعاً حقيقةَ الانتشار التاريخي والمزمن لاقتصاد الظل، أو القطاعات غير المنظمة في اقتصادنا الوطني، والتي تشكل أرضاً خصبة للتأثير سلباً في استقرار سوق الصرف، سواء لجهة المضاربات والتهريب أو عدم تقدير مؤشرات النشاط الاقتصادي بشكلها السليم والواقعي، مع الإشارة إلى توجه الحكومة للتعامل مع اقتصاد الظل هذا بشكل منهجي ومخطط من خلال تشكيل لجنة موسعة تدرس واقعه وسبل التعامل معه، تمهيداً لطرح هذا الموضوع الحيوي على طاولة اجتماعات المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي لاحقاً عند انتهاء عمل هذه اللجنة، لكن مثل هذا التوجه يحتاج لزمن ليس بقصير حتى يتم إنجازه وأكرر أسفي أن مثل هذه المنهجية في التعاطي مع القطاعات غير المنظمة لم تجرِ في زمنٍ كان أكثر ملاءمة، وفي ظروف أكثر مناسبةً لإنجازه مقارنة بالزمن والظروف الحالية الصعبة.
فنحن نعاين جميعاً كيف تعمل الدول والشركات لعالمية على تسريح العمالة وتخفيض الرواتب والأجور في ظل الأزمات الاقتصادية، كما نراقب الاحتجاجات التي تشهدها دول أقوى الاقتصادات العالمية من جراء الصعوبات التي تعانيها، وهي التي لم تعانِ جزءاً يسيراً مما يعانيه اقتصادنا الوطني وفق ما ذكرتُ سابقاً. فكيف تتم مطالبة الحكومة بالاستمرار بتقديم الدعم الشامل والعام بآلاف المليارات من الليرات السورية كما كانت عليه الحال عندما كان الاقتصاد الوطني مستقراً ومعافى؟ وكيف يمكن المطالبة بالاستمرار بتقديم الدعم الواسع والعام لقطاعات الصحة والتعليم والتربية وخدمات الكهرباء والمياه، والنقل الجماعي والتي تتطلب بدورها آلاف المليارات من الليرات السورية، وكيف تستمر المطالبة بالتوظيف وتمديد خدمة العاملين في الدولة دون إعادة تقييم للجدوى الاقتصادية والاجتماعية من مثل هذه السياسات الحكومية، إذ لا تكفي المطالبة بالعطاء، ما لم تكن في حدود الممكن والمتوفر والمنطقي.
إنَّ ما تقوم به الحكومة من خطط وتوجهاتٍ لا يقع تحت عنوان الضرورة والحتمية، بقدر ما يقع تحت عنوان القناعة والعقلانية. فالاستمرار بنهج الدعم وإدارة السياستين المالية والنقدية وفق النهج السائد منذ عقودٍ خلت لم يعد مقبولاً من وجهة نظر المالية العامة للدولة، ومن وجهة نظر العدالة الاجتماعية، ولاعتباراتِ كفاءة الإنفاق العام. فما كان صحيحاً وفاعلاً في السابق، لم يعد كذلك حالياً ومن غير المنطقي الاستمرار بتبني سياسات لم تعدْ مجديةً للتعامل مع الواقع المعقد الحالي، ولا بدَّ من اتخاذ قرارات جريئةٍ ومسؤولةٍ وعقلانية تضمن توفير مقومات الحفاظ على القرار الوطني الحر المستقل.
نحتاج اليوم للحوار البناء المستند إلى الوقائع وليس للتمنيات، الحوار الذي يأتي في سياقه الطبيعي، وبخصائصه المعروفة، التي تنبع من الحرص على المصلحة الوطنية والتي تترافق بتحديد الإشكاليات، وطرح البدائل المناسبة الفعالة.
إذ أتشرف وزملائي في مجلس الوزراء بأن أضع بين أيديكم واقع إدارة الملف الاقتصادي في هذا الظرف الحساس، فأنني كلّي ثقةٌ بحكمة ورصانة مؤسسة مجلس الشعب العريقة بفكرها وتحملها للمسؤولية، لتتكامل الأدوار لما فيه مصلحة الوطن والمواطن. وننتظر مداخلاتكم ومقترحاتكم، بما يمكنني وزملائي في مجلس الوزراء من الاستفادة منها بما يغني توجهاتنا وخططنا، وبما يثري مقارباتنا لإدارة الشأن الاقتصادي لنكون معاً في كل محطات العمل.