الرئيسيةتقاريرشباب ومجتمع

شهادة الإعلام لا تصنع صحفيين.. خرّيجون لم يلمسوا أدوات المهنة

وسائل إعلام تشترط سنوات خبرة.. وخرّيجون يستسهلون مقالات "الرأي"

هل من الممكن أن يتخرج طالب من كلية الطب ولا يعرف كيفية إعطاء حقنة لمريض؟ أو طالب من كلية الهندسة دون أن يستخدم مسطرة؟ فكيف يتخرج طلاب كلية الإعلام وكثيرون منهم لم يجربوا ميكروفوناً أو يحملوا كاميرا أو يجروا لقاءً أو يكتبوا تقريراً صحفياً حقيقياً؟

سناك سوري _ مي عدره

يصطدم كثيرون من خريجي كلية الإعلام في سوريا بحقيقة أن سنوات دراستهم الجامعية لم تصنع منهم صحفيين/ات جاهزين/ات لاقتحام سوق العمل حين افتقدت إلى حد بعيد منحهم خبرة عملية ملموسة.

يقول “كيرلس كورية” وهو خريج كلية الإعلام في جامعة دمشق أن مادة “إنتاج البرامج الإذاعية” التي درسها في السنة الأخيرة، تمحورت حول “تاريخ الإنتاج وتطويره وأساليبه وزواياه” وقد تعلمها نظرياً فقط دون أن يمسك كاميرا بيده ويلتقط صورة بنفسه، أو يتعرف بشكل عملي على زاوية تصوير وذلك لعدم توفر هذه المعدات في الجامعة وغياب بدائل تتبناها الكلية كفرص التدريب في مؤسسات تشاركية.

“كورية” وهو طالب الماجستير في الإعلام يشعر بالأسف لأن الكلية لا تقدم أي تطبيق عملي للمجال التقني كالتصوير والمونتاج والتصميم.. إلخ.

التخرج شهادة تعلق على الحائط

نظرياً، عندما تتخرج من الجامعة فمن المفترض أنك مؤهل بدرجة 70% لدخول سوق العمل. وهذه الشهادة تعلّقها في سيرتك الذاتية أثناء التقدم لفرص العمل. لكن في حالة طلاب سوريا غالباً ما تعلَّق هذه الشهادة على الحائط إلا إذا وجد الطالب/ة فرصاً خلال دراسته واعتمد على نفسه في التأهيل العملي. الأمر الذي لا يتوفر لجميع الطلاب ولا يحقق المساواة بينهم مع غياب مسؤولية الجامعة العملية عنهم.

تقول “نورمان العباس” خريجة كليّة الإعلام “اختصاص إذاعة وتلفزيون” أنها توجهت بعد التخرّج للصحافة المكتوبة. حيث وجدت فيها فرصةً أقل شروطاً لناحية سنوات الخبرة والجاهزية لكنها تفاجأت بالاختلاف الواسع بين سوق العمل وما تعلمته في الجامعة.

كلية الإعلام في سوريا
كلية الإعلام بجامعة دمشق _سناك سوري

تقترح “نورمان” في حديثها لـ سناك سوري تخصيص تمويل أكبر من قبل الجامعة لكلية الإعلام وتوجيهه نحو الجانب العملي. وتدعو  لاستثمار مشاريع التخرّج والترويج لها والاهتمام بالصحافة الاستقصائية أكثر مع وجود استديو خاص بكلية الإعلام.

أما “نورا الجركس” الطالبة في السنة الثانية “قسم الإذاعة والتلفزيون” فقد تحدثت عن حاجتها كطالبة لدخول الاستديوهات الداخلية والخارجية للتصوير. والتعرف على أدوار العاملين فيها بشكل مفصل. فضلاً عن أهمية التعرف على الأدوات وكيفية استخدامها وطريقة التصوير والمونتاج العمليّة.

كما اقترحت “نورا” أن توفر الجامعة جلسات عملية ضمن الكلية مع مخرجين ومصورين وإعلاميين محترفين. وفتح حوارات ونقاشات عملية حول تطبيق الجانب النظري وإعطاء فرص تجريبية للطلاب خلالها.

اقتراحات عملية.. تحمِّل الأساتذة مسؤوليات تدريبية

قدّم الطلاب الذين التقيناهم خلال إعداد هذه المادة عديد المقترحات لتطوير الجانب العملي. لكن من المقترحات المثيرة للاهتمام جداً “منبر الكلية” وهو عبارة عن منبر إعلامي يمكن أن يكون صفحة فيسبوك وقناة “يوتيوب”..إلخ أو موقعاً إلكترونياً. تتبناه وتديره الكلية ويصنع طلابها المحتوى الخاص به. بحيث يكون وسيلة تطبيق عملي لما يتعلمه الطلبة في المناهج. وفرصة إعداد محتوى ونشره وبناء تراكم خبرة خلال فترة التعليم.

بعض مقترحات طلاب وخريجي الإعلام _ سناك سوري

اقتراح يحمِّلُ أساتذة الكلية مسؤوليات تدريبية لهؤلاء الطلبة وإشرافاً ومتابعةً ونشراً. بحيث يتولى كل شهر مثلاً أحد أساتذة الكلية رئاسة تحرير هذه المنصة ويعاونه فريق تحرير وإشراف من الأساتذة والمعيدين مثلاً. ويفتح أمام الطلبة فرصة تقديم مقترحات تُعرض على هذه اللجنة التي تتولى عملية القبول والإشراف والمتابعة مع الطلبة لإعداد المحتوى وصولاً لمرحلة النشر. ويمكن أن يكون المحتوى، مكتوباً ومسموعاً ومرئياً ومقابلات..إلخ. وهي فرصة مهمة للطلبة وتعالج جزءاً من مشكلة تواجههم تتمثل بضعف الجانب العملي. وبالوقت عينه تحقق لهم رصيداً مهنياً يساعدهم بعد التخرج وتُظهر من لديه الحافز والاهتمام الذاتي بينهم.

الإعلام فرع تطبيقي حتى وإن غابت عنه بعض المهارات العملية البحتة. الطالب الجدير خلال سنوات دراسته الجامعية يمتلك أساسيات المهنة وأخلاقياتها ولديه القابلية لتطوير مهاراته أستاذة الإعلام الإلكتروني آمنة ديب

تطوير المنهاج أولوية.. نظرياً وعملياً

يشتكي الطلاب من تأخر بعض المواد في الكلية عن مواكبة التطور المهني. بالإضافة لجمود بعض المواد وتركيزها على معلومات نظرية قديمة.

يضرب بعض الطلبة الذين التقيناهم مثلاً على مادة “مقدمة في الإذاعة والتلفزيون” والتي تُعطى لطلاب السنة الأولى. وهي مادة مليئة بالتواريخ والمعلومات القديمة التي قد تهم كثقافة عامة. لكن المادة لا تقدّم كما يوحي اسمها لمحة واضحة عن اختصاص “الإذاعة والتلفزيون”. ولا تمكّن الطلاب الراغبين بدخوله من التعرف إلى ما ينتظرهم فيه من مواد. كالتحرير الإذاعي والتلفزيوني والإنتاج والإلقاء وإعداد البرامج المتخصصة والإذاعية والتلفزيونية ما يصعّب على الطلاب مهمة التأقلم مع اختصاصهم.

وينسحب الأمر على مواد مثل “طباعة الصحف”، أو “التحرير الصحفي” التي لا تكفي لصقل مهارات الطالب/ة بمحاضراتها القليلة. ووضع حجر الأساس لأهم مهارة مطلوبة من أي صحفي.

في حين يتلقى طلاب الإعلام محاضرات التصوير والمونتاج بشكل نظري لافتقار الكليّة للأدوات التي تساعد على التطوير. بينما يتم التدريب على المراسلة والإلقاء والتقديم خلال المحاضرات في بعض الأحيان دون وضع الطلاب داخل استديو لعدم توفره.

وفي استطلاع أجراه سناك سوري ضمن مجموعة لطلاب كلية الإعلام عبر فيسبوك فإن معظمهم أشار إلى أن جميع المواد بحاجة تحديث. لكن مواد بعينها أشير لها بشكل متكرر مثل “الإخراج الصحفي، إدارة الصحف”. و”الصحافة المتخصصة” التي باتت بحاجة إلى تطوير يحاول مواكبة التغيرات الكبيرة التي طرأت على عالم الصحافة المكتوبة.

بالإضافة لمواد “العلاقات العامة” التي أصبحت نظرياتها قديمة وغير واقعية مع ظهور مدارس وأدوات حديثة في مجال العلاقات العامة على أهميته العالية في الإعلام.

يفتقد سوق العمل الإعلامي السوري لمؤسسات كبيرة احترافية تقوم باختيار الخريجين الموهوبين أو المناسبين للعمل معها، من أجل تدريبهم ضمن استوديوهاتها أو غرف الأخبار وقاعات التحرير. عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين محمد الخضر

الخريجون/ات الجدد لا يفتقدون الخبرة بالمطلق

ترفض أستاذة الإعلام الإلكتروني في كلية الإعلام “آمنة ديب” التعميم والصورة النمطية القائلة بأن الطالب حديث التخرج يفتقد للخبرة بالمطلق.

وتضيف”ديب” في حديثها لـ سناك سوري أن الإعلام فرع تطبيقي حتى وإن غابت عنه بعض المهارات العملية البحتة.

مضيفة أن الطالب الجدير خلال سنوات دراسته الجامعية يمتلك أساسيات المهنة وأخلاقياتها ولديه القابلية لتطوير مهاراته. ولكن سوق العمل يزيد المهارات وبالتالي يتطور الأداء بشكل كبير ويصبح قادراً على التعامل مع جميع المواقف.

واعتبرت “ديب” أن من الممكن تفادي الفرق بين المعلومات النظرية ومجال العمل من خلال تطوير المعلومات الدراسية باستمرار. لا سيما المعلومات الإعلامية المرتبطة بمجال الإعلام الرقمي الذي يتطور كل لحظة.

كلية الإعلام بجامعة دمشق

ورأت الأستاذة الجامعية أن الوصول لوجهة نظر سليمة تجاه الكلية يتطلب تطوير المواد الدراسية بشكل مستمر. كما يتطلب جهداً من طالب/ة الإعلام في البحث وتطوير ذاته ومصادر معلوماته. بالإضافة لتوفير فرصِ حقيقية والحاجة لتقدير خريجي الإعلام من قبل أصحاب الوسائل دون أي تعميمات أو انطباعات مسبقة. على حد قولها.

وسائل الإعلام تطلب من الخريجين سنوات خبرة!؟

يصطدم طلاب الإعلام بعد تخرجهم بلا مهارات عملية، بشرطٍ تضعه وسائل الإعلام على المتقدمين للعمل فيها وتسميه “سنوات الخبرة”. وهي سنوات لا يعرف الطلاب والطالبات كيف سيحققونها إن لم يمنحوا فرصة الانخراط الأولى!.

يقول عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين “محمد الخضر”، أن اشتراط سنوات الخبرة ليس استثنائياً أو غريباً كمتطلب للعمل ضمن أي مؤسسة إعلامية.

مضيفاً أن منطق الأمور أن تطلب إدارات التحرير في الصحف أو الإذاعات والمواقع الإلكترونية حداً أدنى من الخبرة من خريج كلية الإعلام تضاف إلى شهادته الجامعية وما لديه من إمكانات.

وأشار “الخضر” في حديثه لـ سناك سوري أن ما يزيد أهمية هذا الشرط. ضعف الجانب العملي نسبياً لخريجي كلية الإعلام مع أن الأمر اليوم بات أفضل من سنوات سابقة جراء إعطاء جانب التدريب والمشاريع العملية وإشراك زملاء إعلاميين في عمليات التدريب المباشر ضمن الكلية مساحة أكبر.

وتابع “الخضر ” أن النقطة الأهم تعود لافتقاد سوق العمل الإعلامي السوري لمؤسسات كبيرة احترافية تقوم باختيار الخريجين الموهوبين أو المناسبين للعمل معها، من أجل تدريبهم ضمن استوديوهاتها أو غرف الأخبار وقاعات التحرير.

وبيّن أنه ما لدينا من مواقع الكترونية وإذاعات صغيرة بالمجمل وصحف متخمة بعدد محرريها. وأصلاً لم يعد لديها نسخ ورقية ما جعل المنافسة شديدة وقاسية على الخريجين وتتطلب منهم اشتراطات بينها الخبرات السابقة وفق حديثه.

البحث عن الورقة الرابحة

تبدأ المسؤولية من قاعات كلية الإعلام ومناهجها وخططها التدريسية لصناعة صحفيين/ات مارسوا ما يكفي من تدريبات تطبيقية وعملية تمنحهم الأساس للانطلاق نحو تطوير أنفسهم بشكل أوسع ودخول سوق العمل بثقة واقتدار.

كما أن المسؤولية المجتمعية للمؤسسات الإعلامية تفترض توفير مساحات تدريب وبرامج زمالة سواءً للخريجين أو للطلاب. بهدف صناعة جيل من الصحفيين المتمكنين من مواكبة التطور المتسارع وتغيرات المهنة التي لم تعد مهاراتها تعرف حدوداً. في وقت قد يفتح فيه التعاون بين الكلية والمؤسسات الصحفية باباً واسعاً على منح فرص للطلاب والخريجين لخوض تدريبات عملية خلال سنوات الدراسة بما في ذلك دخول المؤسسات الصحفية والاطلاع على منهجية العمل فيها. وحتى الحصول لاحقاً على فرص عمل في اختصاصاتهم بعد الحصول على المهارات الكافية.

لكن هذا كله لا يعفي الطلاب من مسؤولياتهم في التدريب والتأهيل الذاتي بدءاً من تطوير لغتهم العربية، إلى تعزيز وزيادة قراءاتهم ومتابعاتهم وصولاً إلى عدم استسهال المهنة والذهاب بسرعة لكتابة مقالات تعبر عن آرائهم حول مواضيع لم يشكلوا بعد معرفة كافية حولها.

زمالة سناك سوري 2024.

إشراف محمد العمر

 

زر الذهاب إلى الأعلى