الرئيسيةمعلومات ومنوعات

حنا مينة.. عرفت البحر ومدن البحر أكثر مما عرفت دمشق

عاش في دمشق أكثر من خمسين عاماً ولم يكتب عنها

لم يعرف الروائي والأديب السوري”حنا مينة” التصالح مع المدن الجافة، تلك التي لا تعرف العواصف ولم يعانقها الموج ولم ترسو. على ضفافها السفن فهو لا يقوى على هجر البحر الذي سامره وتأمله لسنوات وهو يستمد من صوته حكايات وأحلام أبطال. رواياته الذين سحقهم الألم على سواحل الواقع.

سناك سوري – دمشق

يحكي “أديب البحر” في حوار مع موقع “ايلاف” 2004 عن تلك العلاقة بالبحر قائلا: «البحر مهدي ولحدي، فيه ولدت وفيه أرجو أن أموت، فإذا لم يكن موتي في زرقته الرائعة، وفي لذته الرهيبة، فليكن مثواي الأخير قريبا من هذا الحبيب الذي منحته حبي الكبير ولا أزال اقطع شراييني وأمزج دمائي بمائه».

كان دائما هناك شيء ناقص بين “حنا مينة” ومدينة “دمشق” التي استبعدها حتى من كتاباته، يقول في مقالة نشرت على صفحات “جريدة الرياض” 2011: «عشت ثلاثة وخمسين عاماً، حتى الآن، في “دمشق”، ولم اكتب ثلاثة وخمسين كلمة عن “دمشق”، لا أدري لماذا!».

متسائلا: «هل هذا لأني بحري الهوى؟ وهل هذا لأنني عرفت البحر، ومدن البحر، أكثر مما عرفت “دمشق”، والمدن الداخلية في وطني سوريا؟ ولماذا، ذات يوم، كانت لي، وبعمق هذه الأمنية: ان تنتقل “دمشق” إلى البحر، أو ينتقل البحر إلى “دمشق”!؟ وكيف يطاوع قلمي وأنا في “اللاذقية”، ويحرن وانا في “دمشق”؟ وهل لنسمة البحر، أو جرعة الرطوبة التي تنعشني جسداً وروحاً وأنا على جوار الساحل، كما يقول أصحابي، علاقة في هذا الاستعصاء الروائي الدمشقي!؟».

اقرأ أيضا: “أديب البحر” يغير عنوانه… الراية الشيوعية في وداع “حنا مينة”

في مجلة “سوق عكاظ” 2004 يقول: «ثلاثة وخمسين عاما في “دمشق”، أنا من سكانها، ثم لا أعرفها، لأنني أعيش على هامشها، وقلبي لا يدق مع قلبها، في الوجيب المتصاعد، هناك، في الأعماق.. إنني سائح ، زائر، مستأجر، وبيت أبي لم يكن فيها، ولم يكن لي في قاعها بيت كذلك.. مخلوعا من تربتي صرت، وزهرة فيء على حافة نافذة في الطابق الثالث».

مضيفا ومقارنا حاله بين المدينتين: «نعم! هناك على الساحل، كنت صوتاً في بحر، أما هنا في المدينة الكبرى، فقد صرت سمكة صغيرة في بركة ماء للزينة، والفارق الكبير».

يصف “ابن البحر” علاقته الوثيقة بمدينة “اللاذقية” قائلا: «في “اللاذقية”، عاملاً كنت مع عمال المرفأ، صياداً مع الصائدين في البحر، ناطوراً لكروم الزيتون، جامعاً لحباتها، حاصداً للسنابل، معفراً للحبات الضائعات بين القصيل منها، مواطناً عرف كل الأحياء، عاش فيها، خبر ناسها، سبر أغوار حياتهم ، وتعاساتهم وآمالهم، وحمل همومهم التي هي همومه، وكتب حولها، عن معرفة، وخبرة، ومعايشة، ونزول إلى عالمهم السفلي، حيث جهنم التي ينبت فيها الشوك، والعوسج، وتشتعل النار المطهرة من الخطايا والآثام، لافحة جلودهم السمراء، حارقة وجوههم الصفراء من تعب وشقاء وجوع».

اقرأ أيضا “المصابيح الزرق”.. حكايا الحروب المتشابهة والتاريخ الذي يعيد نفسه 

زر الذهاب إلى الأعلى