بعد أم الطنافس.. ماذا لو نقل صالح دكانه إلى مدينة كبيرة؟
دكان صالح الجديد.. جرار حديد ودفتر ديون أكبر
ماذا لو استبدلنا لافتة قرية “أم الطنافس” واستعنا بأخرى كُتب عليها “سوريا”. وأتى أبطال عمل “ضيعة ضايعة” إلى زمننا الحاضر. كيف سيكون حال “دكانة صالح” في أسواقنا الحالية؟.
سناك سوري _ ناديا المير محمود
سينقل “صالح” دكانه إلى سوق إحدى المدن السورية عوضاً عن أم الطنافس. وبالتالي سيضطر للتخلي عن ديكورها البسيط وسيستبدل شباكها الذي يغطيه شبك “منخل” بآخر من نوع الألمنيوم (بكلف مئات الألوف) وكذلك سيضع مكان بابها الخشبي آخر بلور ويكتب عليه “إدفع”.
أما التهاب العصب الوركي والذي هو مرض فريد عند “صالح” كان يحرك عليه كلما انفعل أو عصب أو تعب ويدفعه للأنين والنقنقة. فسيكون هذا المرض هيناً أما مرض “دوريات التموين”.
قدّم المخرج “الليث حجو” الفنان “عبد الله شيخ خميس” بدور “صويلح” إنسان بسيط محب لأهل قريته. يخشى على تجارته ويحاول الحفاظ على مرابحه بشتى الطرق. مستعرضاً مع الدكتور “ممدوح حمادة” مؤلف العمل نموذج بشري موجود بالواقع ولكن صفاته وليدة ظروف بيئته.
فتاجر المدينة (مو كلن) لا يشبه “صالح”. وعليه أن يتعلم كل طرق الاحتيال على الزبائن ومواجهة كل طرق الاحتيال عليه فالمدن أصبحت متوحشة بعد سنين الحرب. وهو يفتقد لاحتيالات “جودة”.
كثيرون منا يتذكرون عندما قام “أسعد” بدفع ذمته كاملةً إلى “صالح”. مادفع الأخير لإهدائه علبة حلاوة نظراً لفعلته تلك. لا سيما أنه يعاني من تأخر دفع أهالي القرية لذممهم بسبب ضيق حالتهم المادية.
إلا أنه إذا فعل ذلك في المدينة فسيحتاج إلى آلاف علب الحلاوة.. فحياتنا أصبحت كلها بالدين وصحيح أننا لا ندفع كل ديوننا للبائع لكننا ندفع ما استطعنا منها. (لا يكلف الله نفساً إلا وسعا).
لكن على صالح في هذه الحالة ورغم كبر دفتره في القرية أن يشتري دفتراً جديداً أكبر بكثير منه ليتسع لنا. والاكتفاء بكلمة شكراً “والله يعوض عليك” (هي بحال دفعوا كامل).
صاحب دكان القرية البسيطة عليه اليوم أن يتحسس سعر صرف الدولار الحقير.. وتبديل أسعاره حسب تبدل سعر الصرف. وكذلك التعامل مع مشكلة الدين واختلاف قيمة الدين بين لحظة استدانته ولحظة استرداده. فإذا باع علبة حلاوة مثلاً بالدين واسترد قيمتها بعد شهرين ربما هذه القيمة لا تشتري له علبة حلاوة أخرى؟.
كلها مصاعب باتت تقض مضجعه، وهو الذي عانى من كساد قطرميز “القضامة الملونة” في قريته منذ سنوات.
ماذا عن همالالي المدينة؟
أمضى “صالح” خلال عرض المسلسل (2008) بعض وقته يخبئ كراتين الدخان المهرب بعد كل دورية “للهمالالي”. والآن بات يقضي جل وقته بتخبئة البضائع المهربة.. نظراً للإجراءات المشددة المفروضة على تلك البضائع(سمايل أبو غمزة). والمخالفات المادية الفروضة بحق مقتنيها لذا قرر التوقف عن بيعها والاكتفاء بالحمراء الطويلة والقصيرة.(دعم الصناعة الوطنية).
لم يعد “الهمالالي” مصدر قلق “صالح” الوحيد، فها هو الآن يواجه عشرات المخاوف معاً. فبعد أن كان منزله ملاصقاً لدكانه. ها هو الآن تحت سيطرة أزمة المواصلات. ورهين أجرة منزله المرتفعة، تكثر تخيلاته حول تعرض محله للسطو، متحسراً على “أبو نادر” وسلام قريته.
وبرز خلال المسلسل زوجته “زهرة” التي تنجّيه بأفكارها التجارية، وكان يراها مثالاً للذكاء والقدرة على التنصل من المشكلات. لكن بدورها أصابها برود المدينة وضاعت أفكارها بأزقتها، فباتت تتقاسم معه الصمت وكلمة “أوف”.
تبتلع المدن من لا يملك القدر الكاف من القوة على المقاومة، فكيف إذا كان الشخص من طينة “صالح”. وكم من أشباه موجود وبوفرة حالياً، الساعين لأرزاقهم في شتى بقاع الأرض.
ولكن التساؤل الآن ما مصير عصبه الوركي الذي بات ألمه حسب تطورات حياة “صالح” لا يمثل شيئاً أمام وجع أفكاره. والتي قد تدخله في غيبوبة غير معروفة النتائج.