بالقرب من بقايا قذيفة.. طقوس الرابعة عصراً في درعا
الورود هويتنا والوجه الآخر لمدينة درعا المثقلة بالحرب
بالقرب من بقايا صاروخ وأشلاء دبابة وفوق الآلام والأحزان تنمو شتلات ورودنا التي تعبر عن جزء من ثقافتنا وطقوس يومياتنا في درعا التي لا تسمعون عنها منذ سنوات ربما غير أخبار الحرب والموت.
سناك سوري-هدى الحراكي
تخرج أمي في عصر كل يوم لسقاية أزهارنا في أرض الديار التي تعبر عن هويتنا وبيئتنا فأزهارنا جزء من العائلة تحتاج الاهتمام والرعاية. وهذا الحال ذاته في كل المنازل التي لا تخلو من الورود في الطريق الممتد بين حارات وشوارع بلدة الحراك.
أشكال وأنواع عديدة تشرق بألوانها الجميلة، وبالرغم من شح المياه، إلا أن أمي كباقي سكان المدينة لا يبخلون على الورود. بمنحها حصة من مياهنا، فهي الملاذ الذي نلجأ إليه وكلما شعرنا بضيق أو ملل نخرج إلى أرض الديار مع دلة القهوة نشربها برفقة أفراد عائلتنا من الورود.
في درعا أيضاً لا نحتاج للخروج الى المزارع للتنزه، فالورد يحيط بنا من كل مكان يتربع في كل شارع، لطالما عاشت العائلة سنوات غربة طويلة ولكن تبقى الفكرة الثابتة أن الجلسة في ساحة بيتنا مع الأزهار أجمل بمئات المرات من أي مكان آخر.
طقوس الرابعة عصراً
الساعة الرابعة عصراً بدأت طقوس المساءات الخاصة، والتي رغم كل الظروف التي شهدتها المنطقة، مايزال السكان أو معظمهم يحافظون عليها، يبدأ أفراد الأسرة بتجهيز الجلسة الخارجية، صوت الماء العذب وهو يسقي الورود. رائحة القهوة التي تملأ المنزل، ولا يخلو الأمر من بعض الحلويات البسيطة، وسط ضجيج أولاد الحارة يلعبون في الخارج ويتسابقون للوصول إلى الدكان.
يبدأ المجلس، الذي يضج بصوت أفراد العائلة صوت الضحكات التي تصدع بأرجاء المنزل. إنه بيت الحب والدفء، حيث النقاشات تخص جميع أفراد العائلة، قضايا عائلية وأخبار الحي تجتمع في هذه الجلسة، دعوات الجدة والجد، نصائح الأباء التي لا تنتهي، تجد هنا العلاقات الاجتماعية المترابطة والزيارات التي لا تحتاج لموعد مسبق، مازال الناس يحافظون على عادات الزيارات القديمة والترابط وعدم الرسميات.
أراء الناس هنا متقاربة تتفق الأغلبية على فكرة التعود والتكيف يبدو أن سنين الحرب الطويلة والفقد الذي عانوه جعلتهم أكثر قدرة على المواجهة.
بساطة الناس ما تزال موجودة ولكن فاجعة الفقد التي لايكاد كل منزل يخلو منها تبدو مؤلمة، هذا الفارق الوحيد بين درعا ما قبل الحرب وبعدها، الحرب بكل جبروتها وآلامها التي لم تستطع محو دفء العائلة.