أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

باكيت حمراء يعيد سورياً إلى بلاده .. حكاية مأساة بدأت بخيط دخان

رائحة الحمراء تشعل ذكريات المغتربين .. من دخان الحرب إلى دخان سيجارة

لم يكن “عوّاد الخرمان” سوى شاب ثلاثيني فقير حين رأى الدخان يتصاعد من منزل والده في القرية خلال سنوات الحرب فقرر أن ينفث سجائره لعلها تخفف حرقة قلبه.

سناك سوري _ نور سليمان

كانت ذكرياته وأحلامه تتطاير مع الدخان المتصاعد كأنها تتحوّل إلى سراب وتزول دون رجعة. لكنه قرر رغم ذلك ألّا يستسلم وجرّب حظه في السفر إلى الخارج كما يفعل أهل بلده الهاربين من الحرب إلى رحلة المخاطرة من أجل النجاة. ولم يرافقه من رائحة بلاده سوى باكيت “الحمراء” التي لا يستطيع شراء غيرها.

وحين وصل إلى وجهته النهائية ونال رسمياً رتبة “لاجئ” لم يكن قد تبقّى من ثروته سوى سيجارة “حمراء” أخيرة. كأنها تقول له أن صلته بالبلاد ستتوقف عندها.

بحث “الخرمان” في الشوارع الأوروبية عن باكيت “حمراء” يعيد إلى روحه تلك الذكريات. فيستعيد رائحة جده الذي قضى وهو يدخّن آخر سيجارة. بينما ترسخت فلسفته حول الدخان أكثر فوجد فيه رحلة تعبّر عن البلاد ومصيرها وكأن الحرب ليست إلا سيجارة ضخمة صار دخانها غولاً يبتلع المدن.

كانت لحظة عثوره على باكيت “حمراء” في عاصمة أوروبية تمثّل له احتضان وطنه مجدداً. بينما استغرب البائع من الشاب الذي سرح خياله وهو ينظر مليّاً إلى علبة الحمراء. فيما كان يرى فيها ملامح عائلته وأهل بلاده ورائحة سنين طفولته أيام السلم.

في حين. لم يكن البائع سوى سوري آخر تدبّر أمر استقدام “الحمراء” إلى أوروبا كما يتدبّر السوريون أمر كل شيء. وحين رأى فرحة “الخرمان” بعلبة السجائر دعاه إلى شكر الحكومة لأنها تصنّع السجائر “الوطنية” بل وتصدّرها كي لا تحرم المغتربين منها.

لم يتبقَ للسوريين من بلادهم إلا الشوق والحنين إلى زمن ماضٍ قد تختصره سيجارة حمراء طالما اشتكوا من رائحتها ثم صارت فجأة رائحة وطن. ورابطاً أخيراً ورمزياً يذكّرهم أن هناك بلاداً لهم تنتظرهم ذات يوم ربما. وأنهم لم يأتوا من اللا مكان بل كان لديهم بلد.

وحدها سيجارة الحمراء من تسافر بدون حواجز ولا تفييش ولا جواز سفر. وحدها من تبقى سوريّة بامتياز مهما اغتربت ووحده دخانها من يرسم ملامح ذاكرة كانت بريئة ومسالمة قبل أن تبدأ المأساة بخيط دخان.

زر الذهاب إلى الأعلى